كشفت دراسة جديدة -نشرت في ساينتفيك ريبورتس في 28 فبراير/شباط 2020- عن أن حساسية أنوف الكلاب ليست أكثر مئة مليون مرة من أنوفنا فحسب، بل يمكنها أيضا الشعور بالإشعاع الحراري الضعيف، الصادر من أجساد الفرائس من الثدييات.
ويساعد الاكتشاف في توضيح كيف يظل بإمكان الكلاب التي تعاني من ضعف البصر أو السمع أو الرائحة أن تطارد فريستها بنجاح.
الخطم وتتبع الحرارة
يقول مارك بيكوف -الخبير في حاسة الشم لدى الكلاب، والأستاذ الفخري بجامعة كولورادو-بولدر، الذي لم يشارك في الدراسة- "إنه اكتشاف رائع"، و"يوفر نافذة أخرى على العوالم الحسية لأنوف الكلاب الباردة شديدة التطور".
ومن المعروف أن القدرة على الإحساس بالحرارة الضعيفة المشعة ليس متوفرا إلا في عدد قليل من الحيوانات، مثل: خنافس النار السوداء، وبعض الثعابين، ونوع واحد من الثدييات وهو الخفاش مصاص الدماء الشهير، ويتم استخدامها في البحث عن الفريسة.
معظم الثدييات لها بشرة ناعمة ملساء على أطراف أنوفها، وهي منطقة تسمى الخطم (rhinarium). وهي منطقة رطبة في الكلاب، وهي أبرد من درجة الحرارة المحيطة، كما أنها مليئة بالأعصاب؛ وكل ذلك يشير إلى قدرة الكلاب ليس فقط على اكتشاف الرائحة، بل تتبع الحرارة أيضا.
ظروف الاختبار
لاختبار هذه الفكرة، قام باحثون من جامعتي لوند بالسويد وإيتفوس لوران بالمجر بتدريب ثلاثة من الكلاب الأليفة على الاختيار بين كائن/شيء (an object) درجة حرارته دافئة (31 درجة مئوية)، وآخر له درجة حرارة الغرفة، ويقع كلاهما على بعد 1.6 متر.
ولا يمكن للكلاب رؤية أو شم رائحة تفرق بين هذين الكائنين. (يمكن للعلماء اكتشاف الفرق بينهما فقط عن طريق اللمس). كما أنه وبعد فترة من التدريب تم اختبار الكلاب على قدرتها على التفريق بين الكائنين في تجارب مزدوجة التعمية.
أظهر العلماء من خلال نتائج التجربة أن الكلاب الثلاثة تتبعت الأشياء التي تنبعث منها إشعاعات حرارية ضعيفة.
بعد ذلك، قام الباحثون بمسح أدمغة 13 كلبا صغيرا من مختلف السلالات في ماسح ضوئي وظيفي للتصوير بالرنين المغناطيسي، وذلك أثناء عرض أشياء ينبعث منها إشعاع حراري ضعيف أو محايد عليها.
كانت القشرة الحسية الجسدية اليسرى في أدمغة الكلاب، والتي تستقبل المدخلات من الأنف، أكثر استجابة للحافز الحراري الدافئ من المحايد.
مثل الخفافيش
يقول العلماء إن التجربتين تظهران معا أن الكلاب -مثل الخفافيش مصاصي الدماء- يمكنها استشعار النقاط الساخنة الضعيفة، وأن منطقة معينة من أدمغتها تنشط بواسطة الأشعة تحت الحمراء هذه.
ويشتبه العلماء في أن الكلاب ربما تكون ورثت هذه القدرة من أسلافها من فصيلة الذئب الرمادي، التي كانت تستخدمها غالبا لتتبع الأجسام الدافئة أثناء عملية الصيد.
كما يقول جاري سيتلز -وهو أستاذ فخري في الهندسة الميكانيكية بجامعة ولاية بنسلفانيا بجامعة بارك، الذي درس قدرات الكلاب على الشم- "تتفق الدراسة مع الأبحاث الأخرى التي تصف أنوف الكلاب وعقلها مجتمعين بالمنصة المعقدة لمعالجة مجموعة واسعة من الإشارات".
مضيفا "مع ذلك، يشك في أن "خطم الكلاب يمكن أن يميز أنماط الأجسام الساخنة والباردة على مسافة بعيدة"، مشيرا إلى أن مهارات الكشف الحراري للكلاب قد لا تكون مفيدة للصيد لمسافات طويلة.
إذا لم يكن هناك أي شيء آخر، فإن نتائج هذه الدراسة توحي بأن المهارات المذهلة للكلب "باك" (Buck) في رواية "جاك لندن" (Jack London) "نداء البرية" (The Call of the Wild) الصادرة عام 1903، حيث يتتبع باك الفريسة "ليس عن طريق البصر أو الصوت أو الرائحة، ولكن بمهارة أخرى"، ليست خيالية تماما في النهاية