الأحداث التي تجري في المملكة العربية السعودية على مدى اليومين الماضيين ربما تشير إلى قرب الإعلان عن تنصيب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الملك رسمياً، سواء عن طريق الإعلان عن وفاة والده الملك سلمان أو تنحيه لأسباب صحية، ولكن أيضاً لا يمكن استبعاد سيناريو محاولة الانقلاب لأسباب متعددة.
اليوم الأحد 8 مارس/آذار، قامت وكالة الأنباء السعودية الرسمية واس بنشر صور للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، في أول ظهور له عقب الاعتقالات التي طالت أمراء بالمملكة، على رأسهم شقيق الملك، أحمد بن عبدالعزيز، بعد اتهامهم بالتخطيط لتنفيذ انقلاب على ولي العهد.
نشر صور الملك في هذا التوقيت الذي توجد فيه المملكة في بؤرة الأحداث إقليمياً وعالمياً من الصعب ألا يكون مقصوداً، حتى وإن كانت المناسبة روتينية ولا تحمل ثقلاً أو خبراً ذا أهمية، فالقصة تتعلق بتعيين سفيرين لدى أوكرانيا وأوروغواي، ومن ثم تطرح التساؤلات حول المغزى من نشر صور الملك والتأثير المطلوب إحداثه وسط العاصفة التي استيقظ عليها السعوديون والعالم أمس الأول الجمعة 6 مارس/آذار.
أخبار القبض على الأمير أحمد بن عبدالعزيز (شقيق الملك وعم ولي العهد) والأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق والأمير نايف بن نايف الشقيق الأصغر للأمير محمد بن نايف، نشرتها وسائل إعلام أمريكية في وقت متأخر من مساء الجمعة، وأكدتها وكالة رويترز عبر مصادر خاصة بها، وحتى الآن لم يصدر أي تعليق رسمي من السعودية، ولا ينتظر أن يصدر قريباً.
بداية لا بد من التوضيح هنا أن التكتم الإعلامي عما يدور خلف كواليس الأسرة الحاكمة في السعودية هو القاعدة، ولا توجد شفافية أو إعلان للحقائق، ما يفتح الباب دائماً أمام التكهنات والتحليلات، وفي هذه الأمور تكون مصادر المعلومات أمريكية بشكل خاص أو غربية بشكل عام، فالسعودية تسيطر على أكثر من 70% من وسائل الإعلام العربية، وقناتا العربية والحدث خير مثال، حيث لم تتناولا التقارير الأمريكية لا من قريب ولا من بعيد.
وبالتالي تسببت حملة الاعتقالات الأخيرة في حالة من الذهول بين السعوديين، وأعادت للأذهان ما حدث في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017، عندما اعتقل الأمير محمد بن سلمان معظم أمراء الأسرة الحاكمة ورجال الأعمال في المملكة، فيما عرف باسم واقعة “الريتز” إشارة لفندوق ريتز كارلتون، حيث تمت عملية الاحتجاز.
المبرر وقتها كان “حملة مكافحة الفساد” التي قادها ولي العهد وحصّل منهم حينها أموالاً تقدر بـ400 مليار ريال سعودي، قبل أن يطلق سراحهم، لكن المعتقلين هذه المرة بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” ووكالة “بلومبيرغ” فاجأت الجميع بشكل كبير، حيث إن القصة ليست أموالاً كما هو واضح.
وعلى مواقع التواصل، طغت قضية اعتقال الأمير أحمد والأمير محمد بن نايف على تعليقات المغردين العرب المهتمين بالشأن السياسي، فانقسموا بين مشكك في صحة التقارير ومصدق يبحث في أسبابها وتداعياتها، لكن اللافت كان غياب أبرز المعلقين والصحفيين السعوديين عن التعليق على أنباء الاعتقالات، بينما اكتفى بعضهم بنشر تغريدات تعبر عن ولائهم لولي العهد محمد بن سلمان، مرفقة بوسم #كلنا_سلمان_كلنا_محمد، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
صحيفة “وول ستريت جورنال” قالت إن الاعتقالات لها صلة بـ”محاولة انقلاب مزعومة”، مضيفة أن “الرجلين اللذين كانا يوماً من الأيام على طريق الوصول إلى العرش، أصبحا مهددين الآن بالسجن أو الإعدام، وأن السلطات السعودية قد وجهت لهما تهمة الخيانة العظمى”.
هناك مؤشرات تغذي هذا السيناريو بالطبع، أبرزها كون الأمير محمد بن نايف كان ولياً للعهد قبل أن يتم إجباره على التنازل لصالح ابن عمه الملك، والثاني الأمير أحمد بن عبدالعزيز كان قد غادر المملكة قبل “حملة الريتز”، ولم يعد إلا بعد أن تلقى تأكيدات أمريكية وبريطانية أنه لن يتم القبض عليه، لكن النقطة الأهم هنا هي الانتقادات العلنية التي وجهها لأخيه وولي عهده بعد اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، في قنصلية بلاده في إسطنبول- تركيا، وكان وقتها الأمير في لندن (للمزيد حول الأميرين اضغط الرابط).
تفاصيل عملية الاعتقال يمكن تفسيرها في سياق سيناريو محاولة الانقلاب؛ فقد كان الأميران عائدين من رحلة صيد، وتم الاتصال بهما من أجل اجتماع في وقت مبكر من صباح الجمعة مع ولي العهد، ولدى وصولهما للقصر تم إلقاء القبض عليهما، وتلا ذلك إقامة نقاط تفتيش في الرياض، ولاحقاً نشرت تقارير عن اعتقالات بحق عسكريِّين، ما يعني احتمالات كونهم من مساندي الأميرين.
لكن لا يمكن استبعاد سيناريوهات أخرى تحدثت عنها الصحف والوكالات الغربية، إضافة إلى مغردين سعوديين وحسابات معروف عنها القرب من مصادر داخل الديوان الملكي.
ومن أبرز الاحتمالات التي ذكرت في إطار تفسير أسباب الاعتقال تقدم الملك سلمان في السن واعتلال صحته، إذ يعتقد محللون سياسيون أن “ولي العهد محمد بن سلمان يسعى إلى تعزيز سلطته واستبعاد المنافسين المحتملين له لخلافة العرش قبل وفاة والده أو تنازله عن السلطة”.
المؤكد هو أن التقارير الصحفية عززت المخاوف لدى البعض من تنامي الصراع داخل العائلة المالكة، وأثارت تساؤلات حول مستقبل حكم آل سعود، خاصة بعد ما نقلته وكالة رويترز عن أن بعض أفراد الأسرة سعوا إلى تغيير ترتيب توريث العرش، معتبرين أن الأمير أحمد أحد الخيارات الممكنة الذي يحظى بدعم أفراد الأسرة والأجهزة الأمنية وبعض القوى الغربية.