كتبت: تسنيم صعابنه
عراقة التاريخ وأصالة الدهر تتلخص في بلدة عرابة.
إلى الجنوب الغربي من مدينة جنين، وتحديداً حين تصل بلدة عرابة، ترجَل وسر على أقدامك لتلامس أحجاراً تعود إلى ما قبل التاسع عشر، عندها ستذهلك القصور والحجارة القديمة لتدرك إرثاً فلسطينياً جميلاً وعريقاً.
تحتضن محافظة جنين بلدة عرابة التي تعد من أكبر بلدات المحافظة من حيث السكان والمساحة، واتسمت عرابة بموقعها الإستراتيجي المتميز.
بالإضافة إلى قصورها التاريخية، التي بُنيت من قِبل حسين عبد الهادي في العقود الأولى من القرن التاسع عشر، وتمتاز هذه المنطقة بترابط قصورها وتجاورها، ويتكون قصر حسين عبد الهادي وهو أهم قصور البلدة من أقواس مزخرفة ونوافذ خشبية ومبانٍ متراصة وبوابة ضخمة تقود إلى الديوان ومن ثم إلى ساحة القصر الواسعة، ويتضح من تركيبة ومظهر الطابق الثالث للقصر بأنه ذو وظائف دفاعية فيوجد عليه مجموعة من الأبراج وفوهات إطلاق النار.
ويتوسط هذه القصور مقهى روزانا الذي تزينه أحجار طينية كأحجار دمشق التاريخية، موسيقى هادئة، رائحة المشروبات الساخنة والأرجيلة التي تنبعث في المكان لتجذب المارة، حيث يعج المقهى بالزوار من داخل وخارج البلدة.
وستجد صاحبة المقهى تأتي وتذهب متجولة في المقهى وبيدها كؤوس المشروبات مُبتسمة لزبائنها، فلا تتردد وقتها في فتح حديث معها وسؤالها عن المقهى، فهي ستحدثك بصدر رحب وبثقة تامة عنه.
تقول مديرة مقهى روزانا، عبير زعرور، "منذ طفولتي وأنا أحلم بأن يكون لدي عمل يتعلق بالمطبخ، وكوني مديرة مدرسة وبسبب انشغالي بوظيفتي لم يكن الأمر متاح لدي، أما الآن وبعد تقاعدي من الوظيفة، أصبحت أفكر كيف يمكن أن أملئ وقت فراغي ، وأحقق حلمي".
وتضيف زعرور: "مع بدء بلدية عرابة بترميم المكان وإنشاء منتزه للأطفال، وحمام تركي للنساء والرجال في البلدة، وترحيب أهالي البلدة بكافة المشاريع التي تم إنشاؤها في عرابة، وإقبال السياح من خارج البلدة أيضاً، كل ذلك شجعني على تطبيق فكرتي، وشعرت بأن هذه فرصتي، بالإضافة إلى إعلان بلدة عرابة عن إمكانية الاستثمار بالإمكان".
وتابعت زعرور: "منذ أن رأيت المكان شعرت بأن هذا هو مكاني، وهنا سأحقق حلمي، وبدأت أفكر بالمشروع، وكيف يمكن إنجازه وما هي الترتيبات التي يمكنني أن أقوم بها"؟؟؟
تتحدث زعرور عن بداية مشروعها، "جلسنا أنا وأبنائي الثلاث نفكر، فأنا لدي ثلاث أبناء، أحدهم طبيب والآخر محاسب، وابنتي مهندسة، بالإضافة إلى زوجي، جلسنا جميعاً نفكر بمشروع بسيط غير معقد، لا يحتاج إلى رسميات معينة".
وتبين زعرور أن الغالبية العظمى من المطاعم والمقاهي التي توسعت في وقتنا الحاضر وتنحصر في المدن على حساب القرى، فجميعها حديثة وذات طابع طبقي، ومن النادر أن تجد مكان تجلس به وتحتسي كوباً من القهوة لا تدفع فيه أقل من 10شواقل، أما هذا المقهى فهو مكان بسيط ملائم للجميع، ونحن في روزانا لا يوجد أي شيء من هذا التعقيد، فالمقهى بسيط يقدم خدمة راقية نظيفة، وأصناف جميلة ولذيذة".
وتقول زعرور: " تم الافتتاح 7/3/2020 لكن ليس بحفل رسمي؛ نظراً للظروف التي تمر بها البلد من توتر وقلق بسبب انتشار فايروس الكورونا، فتم تأجيل الاحتفال الرسمي".
روزانــــــــــــــــا
تتحدث زعرور عن سبب اختيار الاسم: "فتقول: (روزانـــــــــــــــــا) اسم له علاقة بالتراث والواقع الفلسطيني، فالروزانا كلمة قديمة عبارة عن فتحة مدورة في السقف، أي مكان يضع به التبن، وأيضاً اسم سفينة تركية كانت قادمة من حلب للتجارة".
يوجد في المقهى شابان يعملان على خدمة الزبائن ونعمل يد واحدة، وجميعنا بالمقهى نسعى لخدمة الزبائن وإرضائهم وتقديم كافة الطلبات لهم، وهدفي ليس جمع المال وإنما هدف ترفيهي اجتماعي أفيد وأستفيد، هكذا تقول زعرور.
وتذكر زعرور: "قمنا بعمل استطلاع رأي من أجل معرفة الموعد التي ترغب به الفتيات لزيارة المقهى، وخُصص المقهى يومي بالأسبوع للإناث، الثلاثاء والأربعاء من الساعة الرابعة عصراً وحتى السابعة مساءً، ونأمل بأن يكون هناك تفاعل إيجابي من قبل الإناث".
ويقدم مقهى روزانا العديد من المشروبات الساخنة والباردة، والمتعارف عليها لدى سكان البلدة وأشهرها، ليمون بالنعنع، كوكتيل فواكه، عصير برتقال، جريفوت، فراولة، مشروبات غازية، طاقة XL، مكسرات، كابتشينو، نسكافيه، سحلب، قهوة عربية، شاي، بوظة، زنجبيل، يانسون، شوكولاته ساخنة، بالإضافة إلى الوجبات الشهية من ساندويش لبنة وزعتر، نقانق، جاج مسحب، زنجر، بطاطا، مرتديلا.... الخ، وأرجيلة بجميع أنواعها.
وتجاوزت المقاهي الشعبية دورها كمجرد أماكن للتجمع وتناول المشروبات ولعب الشطرنج وقضاء أوقات الفراغ، ليتوسع نشاطها ليشمل دوراً ثقافياً واجتماعياً مهم بين أفراد المجتمع والتي بدورها تزيد من صناعة الثقافة الشعبية، وتشكيل الشخصية للفرد، بالإضافة إلى كونها ووسيلة شعبية لتوجيه العامة وتعبئة الشعور الوطني.
وعن مدى تقبل أهل البلدة لفكرة مقهى تراثي، بيّنت زعرور أنَّ الإقبال منذ البداية كان محصورًا لفئة الشباب، المولعين بزيارة المقاهي، على الرغم من تخصيص أوقات للإناث، أما بعد الافتتاح وتوافد الزوار إلى المقهى، بدأ المجتمع يتقبل الفكرة وبدأت الإناث بالتوافد للمقهى.
وتقول نادين: "أحد سكان بلدة عرابة:
وتضيف نادين، "معجبة جداً بشخصية صاحبة الفكرة (عبير زعرور) كونها امرأة فكرت باستمرارية العمل بعد تقاعدها، بالإضافة إلى أنها اختارت المكان الصحيح لإحياء منطقة نامية إلى جانب ما تم إنشاءه من قبل البلدية من حمام تركي ومنتزه للأطفال، وتحديد يومين للإناث وهذه فكرة غير معتادة في عرابة".
معرض للطراز والأنتيكات القديمة
الأنتيكا... تحف عتيقة تجذب عشاق الزمن الجميل
تقول زعرور: "ظهر مؤخراً اهتمام واضح من قبل العديد من جامعي التحف والأنتيكات، مما جعل بعض تجار التحف والانتيكات يقوموا بإنشاء معارض ومزادات لتلك القطع حتى أصبحت لها قيمة تعادل مئات أضعاف أثمانها".
وتضيف زعرور، "إلى جانب المقهى افتتحت هذا المعرض الذي يحتوي على زيوت طبيعية، وإكسسوارات جلبناها من الخليل، وبعض من الفخار، وتحف من الطراز القديم، التي يهتم بها جميع السياح، الذين يفضلون أن يأخذوا معهم ذكرى من هذه الأماكن الجميلة، وبعض من الصابون الوطني المصنوع على أيدي فلسطينية، كما أننا نضع هنا في المعرض منتجات لكل من يرغب بوضع منتجاته وصناعاته اليدوية".
وتردف زعرور، "ويحتضن المعرض أيضاً الفخار، وهو صناعة تراثية قديمة، حيث تعتبر صناعة الفخار في فلسطين من أقدم المصنوعات الشعبية؛ وتستعمل هذه الأواني للزينة أو تخزين الأطعمة من زيت، لبن، مربى وسمن، ومنهم من يستخدم هذا الفخار للطبخ وتقديم الطعام".
وحسب المركز الفلسطيني للإعلام، "أصبحت هذه الحرفة التراثية متوارثة بين العائلات، وتعتبر مدينة غزة من أوائل المدن الفلسطينية التي قامت بصناعة الفخار، وتبعتها مدينة الخليل ثم مدينة طولكرم، ففي مدينة غزة سمي حي كامل بحي الفواخير، وفي مدينة الخليل سميت عائلة باسم هذه الحرفة وهي عائلة الفاخوري، حيث توارثت هذه الحرفة أبا عن جد، وتعد صناعة الفخار في فلسطين مهنة تراثية توارثها الآباء والأجداد وبعض العائلات الفلسطينية؛ لتعبر عن تاريخ وعراقة هذا الشعب المناضل المجاهد، ولتجسد معالم مرحلة تاريخية من مسيرة شعبنا الفلسطيني".