الرئيسية / الأخبار / فلسطين
أبو حربي: حكاية نصف قرن وراء المقود!
تاريخ النشر: الثلاثاء 12/08/2014 13:49
أبو حربي: حكاية نصف قرن وراء المقود!
أبو حربي: حكاية نصف قرن وراء المقود!

 طوباس:  خصصت وزارة الإعلام الحلقة السادسة عشرة من سلسلة (أصوات من طوباس) لقصة فايق محمد أبو حسن، الذي كان من أوائل السائقين في المحافظة، وجلس وراء المقود قرابة نصف قرن، وسافر على خطوط فلسطين التاريخية والأردن وسوريا ولبنان.

يسترد مقاطع من طفولته، فيقول: ولدت عام 1929، وتعلمت حتى الصف السابع الابتدائي، ورفضت أن أشتغل معلمًا، وسجلت فترة قصيرة في كلية النجاح، قبل أن تصبح جامعة، ولم أكمل تعليمي، وآثرت العمل بالتجارة، ثم انتقلت لأصبح من أوائل الذين حصلوا على رخصة قيادة، فكان رقمي 1779 في فلسطين كلها، وهذا يعني أن 1778 فقط سبقوني في حمل الرخصة.
امتحان صعب
يوالي الثمانيني المعروف بأبو حربي: نلت رخصة السياقة في نابلس، وخضعت لامتحان نظري ولآخر عملي وصعب من قبل موظف بريطاني في دائرة السير، ولا أنسى كيف أنه وضع عودأً من الكبريت خلف العجلة مباشرة، وطلب أن أسير، وأخبرني لو أن عود الثقاب رجع للوراء، فلن أجتز الامتحان، فيما كان يقيس بالمتر بُعد عجلات الحافلة عن الرصيف، ويطلب مني الوقوف في طرق جبلية صعبة، واستمر الامتحان نحو 4 ساعات إلى أن نجحت.
ووفق الراوي، فقد كانت نابلس يوم حصل على رخصته، مليئة بكروم الزيتون والبساتين والأراضي الفارغة، ولم يكن وسط سوقها التجاري اليومي أبنية عدا المستشفى الوطني، فيما شهدت نشاطاً كبيراً، وكانت مركزاً للعديد من المدن داخل فلسطين المحتلة عام 1948.
مما لا زال عالقاً في ذاكرة أبو حسن، كيف أن الحافلة الوحيدة، التي كانت تسير على الطريق الموصل لنابلس، كانت تسير على شارع معبد بطريقة غريبة، فقد اقتصر الإسفلت على مكان العجلات، وإن انحرف عن مسربه شتاءً في خلة سنان( بين طوباس والفارعة)، كان يظل في الوحل إلى أن تصل نجدة لإنقاذه وسحبه.
كوفية مشروطة وحجز غريب
سارت حافلة أبو حربي إلى يافا في التجارة أول الأمر، وكان صوت محركها يرعب اليهود الذين يخالونه انفجاراً، أما الضوء الجانبي (الغمازات) فقد كانت تدار باليد عبر محرك خاص (مناويل) ، ثم انتقل للعمل على خط طوباس- نابلس بين أعوام 1952 و1955، وتلاصقه قصة غريبة، حين اشتكته عائلات مدينته، فأحضره والده إلى المجلس، وجلس قريباً من الباب، واستمع لمطالب الوجهاء، الذين تضايقوا من عدم ارتداء السائق للحطة (الكوفية) والعقال، وهذا برأيهم يعني أنه ينظر في المرآة على النساء والفتيات، فأمره والده أن لا يجلس خلف المقود، إلا بغطاء للرأس، ومنذ ذلك اليوم لم ينزعه عن رأسه.
يقول مبتسماً: من العادات الغريبة التي راجت، أن ركاب الحافلة، التي كانت تتسع لخمسة وعشرين، كانوا يحجزون مقاعدهم عن طريق أخذ الكرسي نفسها، ويحضرون معها في اليوم التالي، ثم يثبتونها في أرضية المقعد، ومن لم يحجز منهم لا يستطيع الصعود!
يتابع أبو حربي، الذي نقل مهنته لأربعة من أولاده: محمد، وسمير، وسامر، وسامح، وأتقن قيادة جميع أنواع المركبات، إلا الدراجة النارية: عملت من عام 1955 وحتى 1996 على سيارة عمومية، كانت تستوعب أول الأمر4 ركاب، ثم تضاعف العدد إلى 7، وسرت مراراً على خطوط: يافا، وعمان، وأربد، والكرك، وعجلون، ونابلس، وغزة، ووصلت بيروت، ودمشق.
فوارق
يضيف: كان ثمن السيارة  200 و 300 جنيهاً فلسطينياً، وكانت أجرة الراكب قرشاً واحداً، وتنكة الديزل (المحروقات) بعشرة قروش، أما دونم الأرض وسط نابلس، فلم يتجاوز في بعض الأحوال المئة دينار، لكنني رفضت شراء عقارات، خشية أن يقول الناس أنني نسيت أرض والدي الواسعة في طوباس، وانتقلت لنابلس.
وبحسب أبو حسن، فإن المركبات زمن الاحتلال البريطاني، لم تكن مقُيدة بخط سير معين، ولم يكن في طوباس غير 16 سيارة خلال سنة النكسة، و4 زملاء سائقين هم: سميح الرشيد، والحاج محمود، وروحي الزعبي، وسليمان العمري. كما أن مهنة السياقة كانت مختلفة، فمن كان يعمل على الخط، يضع سيارته في الكراج، ويذهب للسوق لقضاء مشترياته، وحين يكتمل ركابها في غيابه، يأتي السائق الذي يله؛ لينقلهم. بعدها يأتي صاحب المركبة ليستخدم حافلة زميله، وما أن يتقابلا في الطريق، إلا ويرجع كل واحد لسيارته، ويعطي كل منهما غلة المركبة لصاحبها.
مخالفتان وأمنية
يزيد: قبل الاحتلال كنا نصلي الصبح في طوباس، ونتناول الفطور في بيروت، والغداء في دمشق، أما اليوم فتغير الحال كثيراً. ولا أذكر أنني ارتكبت مخالفات مرورية طوال عملي، باستثناء مرتين يتيمتين، بفعل حمولة زائدة، أو تجاوز في غير مكانه.
ينهي أبو حربي: بالرغم من أنني قدت المركبة أكثر من نصف قرن، وكنت من أوائل الحاصلين على رخصة في فلسطين عموماً، قبل الاحتلال، إلا أنني لم أستطع حتى اليوم أن أحقق حلمي بتأسيس مكتب للتكسيات بمدينتي؛ لعدم حصولي على ترخيص له، رغم عدة محاولات، وأتمنى من جهات الاختصاص مساعدتي.
أدوار
بدوره، ذكر منسق وزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف أن "أصوات من طوباس" يسعي لتسليط الضوء على المحافظة وقصصها الاستثنائية ومهنها القديمة ونجاحاتها وأحوالها ورجالاتها الذين سطع نجمهم في حقول العلم، وتضحيات شبابها.
وأضاف إن هذه السلسلة التي انطلقت قبل سنتين ونصف، بالشراكة مع مؤسسات رسمية وأهلية تتقاطع مع برنامجي (كواكب لا تغيب) و( ذاكرة لا تصدأ) في توثيق حكاية شهداء الحرية، وتتبع التاريخ الشفوي لشهود تجرعوا مرارة النكبة.
 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017