أرسل لي صديقي "أبو وليد" هذه الرسالة النصية..
" بكرة وين.. "
طبعاً لا أحد سوانا يفهم ماذا تعني هذه الشيفرة، فاليوم الخميس وغداً خطبة الجمعة و "بكرة وين" لا تتسع لمعنى سوى في أي مسجد سنصلي صلاة الجمعة.
هذا التنسيق بيننا حول المسجد الذي سنصلي به صلاة الجمعة دليل أننا نتشوّق للجمعة وخطبتها، فهي موعظة حيّة مرتبطة بسلامة الصلاة ذاتها.. فضلاً عن الجو الإيماني الصافي والإحساس بتأدية الواجب الديني، بمشاركة الأصدقاء والجيران والأقارب، فيما يمكن أن يكون اجتماعاً اسبوعياً لتبادل السلام والتواصل ..
لكن خطباء المساجد سامحهم الله (إلا من رحم ربي) حوّلوا الخطبة إلى فرصة للقيلولة عند البعض، وللتفكير في شؤون الدنيا عند البعض والتململ عند آخرين، وتمني النفس متى يقول "أقم الصلاة".
فكثيراً ما يتبادر إلى ذهنك أنك أمام لجنة تأديب، تعنفك، ترفع سبابة وعيدها في وجهك، تٌعلي صوتها متى تشاء وكيفما تريد .. برغم أن المسجد صغير ومكبر الصوت يوصل الهمس إلى أرجاء المسجد كلها..
و تحس أحياناً أخرى أنك في غرفة تحقيق، عليك أن تتلقى التقريع والتكفير والتهديد دون أن تبدي اسفاً أو أن تتذمر..
خطباؤنا في جلّهم لا يتقنون ثقافة التواصل، ويفتقرون لابسط مهارات الخطابة، من لغة الجسد ونبرة الصوت والتواصل البصري مع المصلين، فضلاً عن اللغة المهشمة حيث يكسرون المرفوع، ويفتحون المضموم. ناهيك عن ثقافتهم السطحية ومزاجهم المعكور دوماً. مرة أخرى (إلا من رحم ربّي).
أما عن المحتوى، فالجميع يعلم أن وزارة الأوقاف تشير لخطباء المساجد بتناول موضوع معين، لكن المشكلة ليست في الموضوع بقدر ما هي في كيفية تناول الموضوع، حيث يتسم تناولهم للموضوعات بالسطحية وعدم التماسك فضلاً عن افتقارها للمعارف المتنوعة والتوثيق العلمي والحس الإبداع في الطرح، وخلوها من أساليب التشويق في الخطابة كالسرد القصصي والإستشهاد الديني والأدبي، فيما يبدو أسلوبا مبتكرا للدمج بين علوم الدين والدنيا، فالمصلون يتنفسون هواء الأرض ويأكلون من خيراتها ويدبون على أديمها، مشاكلهم وطموحاتهم وسلوكياتهم برمتها في الأرض وعلى الأرض وبالضروة في السماء.
فمن قال أن خطبة الجمعة معدّة للحديث عن الجنة والنار فقط، أو شروط الصلاة والغسل، ففي حياتنا من التفاصيل والمعضلات الإجتماعية والنفسية والسايسية ما نحتاج جميعاً أن نسمعه عنه من خطيب المسجد ، فنعيده على أسماع امهاتنا وزوجاتنا وبناتنا...
ما ينقص خطباء اليوم هو الأسلوب، هو القدرة على التشويق، على شدّ المصلين للحصول على الأصغاء الشديد. حتى تدخل الموعظة مباشرة من أفواههم إلى اسماع والقلوب على حد سواء.
وهنا أدعو وزارات الأوقاف في عالمنا العربي أجمع إلى نفض الغبار عن الأساليب القديمة في تعيين الخطباء، ولا اقول أئمة المساجد.. الخطباء إذ على خطيب المسجد أن ينافس في مهاراته الخطابية ومحتواه المعرفي واسلوبة ولباقته وحركات يديه ووجهه ولباسه، فضلاً عن اعطاء الخطباء الحاليين دورات متخصصة في أساليب الخطابة ومهارات إحداث التأثير في الناس، حتى يتحول الخطيب إلى شخص مؤثر لا شخص ممل، وحتى تحقق خطبة الجمعة هدفها وغايتها.. ويبقى المسجد عنواناً للتقوى والرشد والصلاح.