تعودنا في الحروب السابقة التي شهدتها المنطقة أن نلحظ دقة ومحدودية الأهداف الاسرائيلية لهذه الحروب, والقدرة الفائقة على تحقيقها ضمن مقومات امتلكتها المنظومة العسكرية الاسرائيلية, والتي شكلت عوامل تفوق استراتيجي على مجمل القوة العسكرية العربية, إلا أن التحول الذي شهده ميدان الصراع العربي الاسرائيلي بعد حرب تموز 2006 شكل نقطة تحول استراتيجي في مجريات هذا الصراع, تمثل في بدايات فقدان العدو الاسرائيلي لقدراته في تحقيق أهدافه, وترسخ ذلك في عدوانه على غزة 2008 و2012, إلا أن العدوان الحالي على غزة كان له الدور الأكبر في فقدان المنظومة العسكرية والأمنية والسياسية الاسرائيلية لكثير من مظاهر تفوقها في ساحة الصراع.
وإذا كانت حرب تموز 2006 قد رسخت قاعدة صراع المحاور في المنطقة وظهور استراتيجيات الحرب بالوكالة, فإن العدوان الحالي على غزة يؤكد على هذه القاعدة والاستراتيجيات, مع تبلور واضح لأهداف هذه المحاور, وتزايد وتائر الاستقطاب الشعبي لهذه المحاور, في ظل انكشاف أهدافها وارتباط ذلك بالوعي الجماهيري والشعبي لهذه الأهداف, في ضوء ما أفرزه هذا العدوان من تغيير قواعد الحرب وموازين القوى وتبدل ساحات المعركة.
يمكن رصد أهم نتائج الحرب على غزة بجملة من النتائج الاستراتيجية على مجريات الصراع العربي الصهيوني بما يلي :
1- حجم الالتفاف الشعبي الفلسطيني حول المقاومة ونهجها, على الرغم من حجم التضحيات الهائل التي دفعها شعبنا الفلسطيني في غزة.
2- الايمان المطلق بسقوط نهج أوسلو وقياداته, والتمسك بخيار المقاومة كخيار استراتيجي وخاصة لدى أهلنا في الضفة الغربية.
3- إسقاط نظرية الردع الصهيوني, فلم يعد الجيش الاسرائيلي هو ذاك الجيش الذي لا يقهر, وظهر كنمر من ورق في هذه الحرب على الرغم من عدم التكافؤ في القوى والامكانيات مع المقاومة.
4- سقوط مدوي لثقة المواطن الاسرائيلي بحكومته وجيشه.
5- ظهور محور المقاومة الإقليمي بمظهر من يفرض الحلول والتوقيت على الأرض.
6- تهاوي محاور الصراع الأخرى في المنطقة أمام محور المقاومة.
خلال حرب تموز 2006 كان الصراع يتم من خلال محورين رئيسيين :
الأول : محور السعودية مصر قطر تركيا المتحالف مع اسرائيل والولايات المتحدة
الثاني : محور ايران سوريا حزب الله
فيما أفرزت الحرب على غزة ثلاث محاور:
الأول: محور السعودية مصر إسرائيل
الثاني: محور قطر تركيا حماس
الثالث: محور ايران سوريا حزب الله وباقي فصائل المقاومة وخاصة الجهاد الاسلامي
وعلى الرغم من قدرة المحور الأول على سحب البساط من تحت أقدام المحور الثاني, ومسكه بزمام المبادرة في الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى إنهاء الحرب والوصول الى وقف اطلاق نار دائم, في ظل الشعور العام لدى المواطن العربي بانحياز هذا المحور لصالح إسرائيل, إلا أن مجريات المفاوضات تشير إلى أن المحور الثالث هو من يفرض شروطه فيها.
ومخطئ من يعتقد أن محور المقاومة غائبا عن الساحة الفلسطينية أو ضعف تأثيره فيها ويتضح ذلك من خلال عاملين أساسيين:
أولهما: يتعلق بتسليح وتجهيز المقاومة, ذلك أن معظم أسلحتها التي قاومت بها العدوان في غزة هي سورية وايرانية, وخبرات لوجستية تظهر بها بصمات حزب الله.
وثانيهما: تصريحات المسؤولين الايرانيين بضرورة تسليح الضفة الغربية, وهو ما ظهر وكأنه قرار إيراني بهذا الشأن.