لم تنتهي الحرب البشعة على غزة و لم تخمد النيران .. و لم يتلاشى الدخان .. ولم تجف دموع الثكالى و اليتامى..و لم يصمت انين الجرحى .. و لم يهدأ حنين المهجرين و المشردين الى بيوتهم ...باختصار لم تنتهي الحرب و آثارها الدامية ...ولكن بقي الشعب الفلسطيني صامدا على ارضه متحديا كل الجبروت بعزة منقطعة النظير و بوحدة ثابتة قائمة على رفض العدوان ....
للحرب العسكرية جولات و محطات و نتائج ايجابية و سلبية ...اما الحرب الاخرى ..حرب نبذ و رفض و لفظ ان نرضى بأن يسوق الاحتلال نفسه في اسواقنا عبر بضائعه و منتجاته فهي حرب لا تقل اهمية و تحتاج للاعداد و التصميم و شحذ الهمم و الصمود و الدراسات المرافقة و الاهم الوحدة و التشبث ...تحتاج كل ذلك لاهميتها و لتعقيداتها و لأثرها الكبير على اقتصاد دولة الاحتلال..
فكرة مقاطعة بضائع الاحتلال ليست وليدة هذه اللحظة التاريخية ...و لا هي ردة فعل آنية على لحظة البطش و نزيف الدم ..وهي ليست كذلك ارضاء لطموح البعض و ليست مراهقة سياسية و لا ترف فكري ..فالفكرة بدأت لمن يذكر في اول ايام الاحتلال في العام 1967 .. وفي تلك الفترة رفض الفلسطينيون التعامل مع الاسرائيليين و متاجرتهم كما رفضوا احتلالهم ...و تدريجيا و بشكل مخطط و لعدم وجود البدائل تم دمج الاقتصاد الفلسطيني بالاسرائيلي و اصبح هناك سيطرة شبه كاملة للاقتصاد الاسرائيلي على اسواقنا و مصانعنا الصغيرة في تلك الفترة ...و بقي الحال كذلك لمدة عشرين عاما و بالتحديد حتى الانتفاضة الشعبية الاولى في العام 1987 حيث تبنت القيادة الفلسطينية الموحدة للانتفاضة المقاطعة الشاملة للبضائع الاسرائيلية ...و نجحت المقاطعة نجاحا مذهلا رغم قلة الامكانات و ضعف الصناعة الوطنية و عدم القدرة على الاستيراد في تلك الفترة ...و مع ذلك فقد حققت نتائج جيدة على كافة الاصعد.....و تراجعت المقاطعة عند ابرام اتفاق اوسلو و باريس سيئة الصيت و بقي الحال كذلك حتى بدء انتفاضة الاقصى و بمرور الوقت نشأت الحملات المؤسساتية و النسوية و الحزبية التي تنادي بالمقاطعة على شكل هبات و جهود مبعثرة هنا و هناك .. وبقيت المحاولات ضعيفة ..لعدم وجود التنسيق بين الاطراف العاملة عليها ..و لعدم تقبل الجمهور و الايمان بالفكرة.
الآن و قد بدأت كرة الثلج تكبر و تتدحرج بالمقاطعة الشاملة ..لتنسج من خلال زيادة الوعي و الادراك لدى الشعب باهميتها و لاحساس الناس بالعزة الوطنية و القدرات الذاتية و الكرامة الوطنية بمقاطعة كل ما هو اسرائيلي ..و للقناعة التي اخذت تكبر بتأثيراتها على اقتصاد الاحتلال و دعم و تطوير الاقتصاد الوطني ...و لتنامي حركة المقاطعة العالمية لدولة الاحتلال على كافة الصعد الاقتصادية و السياسية و الثقافية و الاكاديمية و حتى العسكرية .
و لا شك اننا ندخل في هذه الحالة من المقاطعة حربا ضروس لا تقل اهمية و لا تختلف عن الحرب العسكرية من حيث الاعداد و تجهيز الجبهة الداخلية ..كما تحتاج الى بناء الاجهزة الدفاعية في حالة الهجوم المعاكس ..و تحتاج لرص الصفوف و التوحد ...حتى انجاز المقاطعة الشاملة التي تمر بمراحل مختلفة و تعتمد ايضا على الدعم و المساندة من المجتمع الدولي ...و نحن نخوض هذه الحرب نحتاج مجموعة من العوامل لانجاحها و ضمان استمراريتها و منها :-
- تحضير الدراسات و المعلومات التي تتعلق بالسوق المحلي و احتياجاته و البدائل المتوفرة للسلع الاسرائيلية و اوضاع المصانع الفلسطينية و قدرتها على التطوير و ايجاد البدائل في المواد الخام .
- مراقبة الاسواق فيما يتعلق بالمنتوج المحلي من حيث الجودة و السعر و التنوع و تلبية احتياجات المواطنين المختلفة و كذلك التوزيع العادل و المناسب لمحلات التجزئة و البعد عن الاحتكار.
-مراقبة كبار مسوقي البضائع الاسرائيلة و عروضهم و اغرائاتهم للمحلات و كذلك ايصال الفكرة لهم بأن هذه الحملة شاملة و مستمرة و ان عليهم ايجاد البدائل في تجارتهم و أن من يستمر في محاولة التسويق سيعتبر ( كومبرادور) يسوق بضائع عدوه على حساب الاقتصاد الوطني خدمة لمصالحه الشخصية و منفعته المادية.
-توسيع المقاطعة لتشمل المدينة و القرية و المخيم ..سيما ان الريف يشكل نسبة عالية جدا من تعداد السكان ..و المقاطعة فيه اضعف من المدن و هناك بعض القرى لم تصلها حملة المقاطعة.
-من المهم جدا اعداد الجبهة الداخلية جيدا و تهيأته لكل الاحتمالات لان دولة الاحتلال و عندما يزداد تأثير المقاطعة عليها ستبدأ بالهجوم المقابل و قد تبتز و تهدد بالسلع الاستراتيجية كالوقود و الاسمنت و الطحين و قد تربط تزويد السوق المحلي بهذه السلع بشراء البضائع الاخرى و كسر المقاطعة ..و هنا فان المواطنين مدعوون للتهيؤ لهذه المعركة ..و كذلك فان الحكومة مدعوة ان تبذل كافة الجهود للبحث عن بدائل خارجية لهذه السلع ..و لا مبرر بالارتباط بالاتفاقيات مع الجانب الاسرائيلي كاتفاقية باريس لعدم التزام دولة الاحتلال بهذه الاتفاقيات و لوجود ثغرات و نقاط ضمن هذه الاتفاقات تسمح بالبحث عن البدائل.
- محاربة الاصوات المنتفعة و التي تخرج الى المواطنين لاقناعهم بعدم جدوى المقاطعة و تأثيراتها السلبية و انها تنفيس للاحتقان و ما الىذلك ...و ذلك ضمن حملة اعلامية واسعة تعطي الحقائق و الدفع الايجابي للشعب لتعزيز قناعته بقدراته وان المقاطعة جزء هام و اساسي في المقاومة الشعبية .. و انه عندما نطلب من العالم مقاطعة اسرائيل – و هذه المقاطعة العالمية تكبر و تؤتي ثمارها- فالاولى ان يجدوا فينا مثالا حيا في المقاطعة .
-الضغط على الحكومة و ان لم تستطع ان تدعم المقاطعة لارتباطات باتفاقات فعليها ان تدعم الانتاج المحلي ضمن خطة اقتصادية و ان تضع القيود على البضائع الاسرائيلية و لا يستطيع احد ان يمنع سلطة او حكومة من دعم اقتصادها الوطني.
لقد بدأت الحملة تكبر و تكبر و هذه الحرب الشريفة الاخلاقية و الواعية تنمو و لن يستطيع ان يوقفها احد ...فهي تدعم الاقتصاد الوطني و تضع لبنة التحرر و الاستقلال و تحد من البطالة و تشحذ الهمم و تعزز الانتماء الوطني و تؤثر بشكل كبير على اقتصاد الاحتلال كون فلسطين ثاني سوق لبضائعه في العالم ..و تعزز المقاطعة العالمية و تعزل دولة الاحتلال ...و الاهم من ذلك كله تعزز الاحساس بالعزة و الكرامة و الاعتماد على النفس ...و على من يبحث عن احتلال خمس نجوم ان يبحث عن مكان آخر ليعيش فيه ..فهذه الارض يبذل الشعب الغالي و النفيس من اجل تحررها من دماء و مساكن و مساجد و ممتلكات...فلتكن حربنا بمقاطعة شاملة للاحتلال حرب استراتيجية مستمرة حتى تتحقق الاهداف بالحرية و الاستقلال.