"غرفة المريض التي سيتلقى فيها العلاج في البيت يجب أن الضوء فيها ساطعا وجيدة التهوية وبعيدة قدر المستطاع عن أماكن المعيشة الخاصة بالعائلة".
هذه الكلمات كتبها ونشرها جدي الدكتور جون ديفي روليستون قبل 80 عاماً في كتابه "الأمراض المعدية الشديدة" - كتيبٌ للمتمرسين والطلاب.
وفي هذه الأيام العصيبة من انتشار مرض كوفيد -19، ظلت بعض الممارسات خالدة، استخدام الصابون والتنظيف والهواء النقي، بينما بعضها عفى عليها الزمن.
وجاء في بعض القراءات حول طرق العزل بأن "النوع المفتوح من المدافئ التقليدية ليس فقط مبهجا للقلب بل هو وسيلة بسيطة وسريعة لتطهير أي أدوات ملوثة قد تنقل العدوى".
ولكن، ما هي الأدوات التي تنقل العدوى؟
بحسب نتائج البحث في غوغل، تلك الأدوات متنوعة مثل الملابس وأواني المطبخ والأثاث المنزلي.
"تُزال الستائر والسجاد وقطع الأثاث المحشوة، فقطع الأثاث البسيطة أي القابلة للغسل والتنظيف هي الأنسب لغرفة المريض، تلك النصيحة ربما لا تزال صالحة وجيدة إلى يومنا هذا".
رحل الطبيب الصالح منذ فترة طويلة، ولكنه كان في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، أحد المختصين البريطانيين في الأمراض المعدية، مثل الجدري وحمى التيفود والحمى القرمزية.
وفي الثلاثينيات من القرن الماضي، كان الطبيب روليستون مدير طبياً في مستشفى بلندن. وقد عثرت ابنتي هذا الأسبوع على طبعة ثالثة من كتابه الذي صدر عام 1940، وشارك في تأليفه الدكتور رونالدسون، مخبأة بين مجموعة من الكتب القديمة الخاصة بوالدتي الراحلة.
كتب الطبيبان: "قد تسمح الظروف بعلاج مرضى الحمى القرمزية أو الحصبة في المنزل، لكن في حالات العدوى الشديدة، مثل الجدري، فإن عزل المريض في المستشفى أمر ضروري من أجل السلامة العامة".
"وكأخصائي في علم الأوبئة، قام جدي بإجراء دراسة خاصة عن الأمراض المعدية الفتاكة مثل الجدري، التي دمرت لندن في فترة ما، وألف كتاباً حول جائحة الجدري التي قتلت أكثر من 20 ألف جندي في الحرب الفرنسية - الألمانية بين عامي 1870 – 1874".
بالنسبة للعزل في المنزل، تضمنت نصيحته في الأربعينيات تفاصيل تبدو غريبة جداً بالنسبة لنا بعد مرور ثمانية عقود من الزمن. "يجب الإبقاء على درجة حرارة الغرفة بين 55 و 60 درجة فهرنهايت".
ماذا؟ هذا يعني ما بين 12 و 15 درجة مئوية. أعلم أن بنية الناس في ذلك الوقت كانت أقوى مما نحن عليه الآن حسبما كان يقال، ولكن إبقاء شخص ما في غرفة باردة، بالكاد يساعدهم.
"بالقرب من غرفة الشخص المعزول، كان يجب وضع حوض الحمام المعتاد مليئاً بمحلول مطهر وهنا كانت المادة المستخدمة لقتل الجراثيم حمض الكربوليك.
"كان الحمام مخصصاً لنقع الكتان الذي أزيل من غرفة المريض".
وتعليقاً على النصيحة، الدكتور فرانك كروس الذي كان حتى وقت قريب جراحا استشاريا في مستشفى "رويال لندن"، يشير إلى أنها كتبت في الوقت الذي لم يكن هناك علاج للأمراض المعدية القاتلة مثل مرض السل والزهري والجدري. ويقول: "يشمل ذلك أغطية الفراش".
"كان الحفاظ على نظافتها مهماً بشكل خاص في الأمراض التي تنطوي على بثرات معدية مثل الجدري."
ومن المثير للدهشة أن ذلك الكتيب الذي كُتب في الأربعينيات يوضح أن التعقيم الكامل أو التطهير الكلي لغرفة المريض في الحجر الصحي المنزلي، لم يعد مفيداً، ولكن بالنسبة للعدوى بـ(الحمى القرمزية أو الالتهاب الرئوي)، فإن استخدام الماء والصابون والتعرض لأشعة الشمس يكون أكثر فعالية وتأثيراً.
بحسب ما كُتب في عام 1940 ، كانت التوجيهات هي أن ثلث جميع غرف المستشفى يجب أن تكون مزودة بأسرّة للعزل. "الخطر الحقيقي على المريض يكون في عنبر مفتوح بمستشفى الحميات".
وحتى في ذلك الوقت، على ما يبدو، كان يوجد وعي بخطر المصابين الذين لا تظهر عليهم الأعراض، فيعدون غيرهم، تماماً كما يجري الآن مع كوفيد -19.
ويحذر الكتاب من مخاطر التعايش بين أكثر من فيروس والخطر الذي يشكله "المريض الذي يدخل في مرحلة حضانة مرض ثان".
ويقول الكتاب إن عزل كل مريض ليس اقتراحاً عملياً حتى الآن.
ويقول الدكتور فرانك كروس: "لم يكن هناك علاج للجدري على الإطلاق، وكان معدل الوفيات بسببه 30 في المئة. ولا يوجد علاج لكوفيد – 19، على الرغم من إجراء عدة تجارب باستخدام مجموعات مختلفة من الأدوية المضادة للفيروسات. لذلك، فإن النصيحة حول غسل اليدين وغسل الأدوات التي قد تنقل العدوى هي أفضل نصيحة الآن".
واليوم، قد يحتاج كتيب جدي إلى أن يخرج للنور مجددا كما يذكرنا القادة السياسيون أننا في حرب أخرى، حرب مختلفة تماماً، أتساءل... ما الذي كان سيكتبه حول مسألة التباعد والعزل الاجتماعي والإغلاق الكامل للمدن والدول، وقيام الشرطة بالمساعدة في مهمة الحد من انتشار الفيروس المستجد.
أشك أنه كان سيوافق على تلك الإجراءات بشدة.
BBC