مدارس متعددة تعاملت و تتعامل مع الجائحة التي اجتاحت العالم ، استعرض أهم ٣ مدارس في هذا الإطار ،،،
المدرسة الأولى تقول أن الأولوية المطلقة يجب أن تجير لسلامة الناس ، و حسب هذه المدرسة فإن حكومات العالم إرتكبت جرائما بحق الإنسانية عندما وجهت الأمول الكبيرة و الجهود نحو التسلح و تكنولوجيا الرفاهية ، فيما أهملت تطوير القطاعات الصحية من إنتاج المعدات و الأجهزة المتطورة إلى الصرف على البحوث و الدراسات ، و حتى ذهبت هذه المدرسة للقول بأن هناك إهمالا للقطاعات الصحية داخل كل دولة كنقص المشافي و الأجهزة و غرف العناية المركزة فيها ، و لذلك و حسب رؤية أصحاب هذه المدرسة وجدت حكومات العالم أنفسها أمام وباء عالمي يفتك و يقتل و يشل دول بأكملها مما أبرز عيوب و ضعف المناعة الصحية و المجتمعية في مواجهة الوباء الأمر الذي انعكس على كافة القطاعات ، و لذلك كله فإن أصحاب هذه المدرسة يؤيدون بقوة أن توجه كافة الجهود في إطار مرحلي و استراتيجي ، بمعنى توظيف كافة الإمكانات في فترة الوباء لمواجهته و حفظ و حماية حياة الناس مهما بلغت التكاليف و التضحيات ، حتى لو انهارت إقتصادات و عم الكساد العالم ، باعتبار أن حياة البشر و صحتهم أهم من أي قضايا أخرى ، و استراتيجيا حسب نفس المدرسة فإن كافة الجهود بعد انقضاء الوباء يجب أن تتجه إلى تطوير العمل الصحي و انهاء الإحتكارات الدوائية و رفع ميزانيات الصحة على حساب ميزانيات التسلح و تكنولوجيا الرفاه .
المدرسة الثانية تتجه إلى تبرير سياسة مناعة القطيع ، لتقول أن الوباء قد اجتاح فليمر و يأخذ معه من يأخذ فالبقاء للأقوى ، و لا يجب أن نرهن أو ندمر الإقتصاد و المقدرات في مواجهة خاسرة ، و أن من يرحلون غالبا هم من كبار السن ، لذلك فلنعيد بناء المجتمعات بقوة إقتصادية و تكنولوجية و لا نرتهن للحظة الوباء ، و تحت هذه المبررات يذهب أصحاب هذه المدرسة للقول ، إحموا الإقتصاد و القطاعات الإنتاجية و التجارية و اتركوا العجلة الإقتصادية تدور ، فلا قوانين طواريء و لا منع للتجوال و لا تعطل للحياة العامة ، و ليكن التعامل مع الوباء بعلاج من أمكن و من يسهل علاجه ، فلتنزع الأجهزة التنفسية عن الكبار و المرضى المزمنين و لنحاول حماية من تبقى و لكن ليس بأي ثمن و لا بتضرر الأقتصاد ، و يقود هذه المدرسة كبار الإقتصاديات الإحتكارية و المنفعية على حساب البشر .
أما المدرسة الثالثة فتقع بين المدرسة الأولى و الثانية ، بمعنى الطلب ببذل الجهود للتطوير الصحي و محاولات العلاج و توفير الأجهزة و المعدات و المشافي و في نفس الوقت الحفاظ على عجلة الإقتصاد ، و لذلك يروا أن الإجراءات الوقائية يجب أن تكون محدودة و مدروسة جيدا بحيث لا تؤثر على الإقتصاد أو على الأقل يكون تأثيرها محدودا ، و نرى أصحاب هذه المدرسة يطمئنوا الناس بأن تأثيرات الوباء يمكن السيطرة عليها و تحديدها ، و هم يعتمدون على مبدأ الذروة في الوباء و الرسوم البيانية التي تظهر تراجع أعداد الوفيات و الإصابات ، و زيادة حالات الشفاء .
صحيح أن الإقتصاد هام لحياة البشر و أن العجلة إذا ما توقفت فإنها ستترك كبير الأثر على الحياة ما بعد الوباء ،و لكن عن أي إقتصاد نتحدث ؟ عن إقتصاد ما قبل الوباء الذي استشرست فيه الرأسمالية المتوحشة و التي تاجرت بحياة البشر مقابل الكسب المادي ؟ أم عن المجاعات و البطالة و هدر الموارد و إهمال علاج الإنسان ؟ نريد للبشرية نوعا من الإنفراج الإقتصادي و لكن ضمن مباديء العدالة الإجتماعية و احترام قيمة الإنسان و حياته و صحته و حقه في الحياة الكريمة ، و هذا يتطلب أول ما يتطلب أن تصب كافة الجهود و الإمكانات لمواجهة الوباء و حماية حياة الناس أيا كان عرقهم أو دينهم أو مستواهم الإجتماعي أو أعمارهم ، و أعتقد أن أصحاب المدرسة الثانية اضطروا أمام شعوبهم و تفشي الوباء بين بينهم إلى القبول مرغمين بهذا التوجه ، و حتى أصحاب المدرسة الثالثة أيضا وجدوا أنفسهم أمام مساءلات الشعوب و العالم ، و لذلك فجهود حماية البشرية بكل القدرات يجب أن تستمر ، و بعد إنقاذ البشرية من الوباء يجب التوجه لبناء نظام عالمي جديد يضع على قمة أولوياته صحة و حياة البشر ، و يحقق حالة من انقضاء المجاعات و الفقر ، و التخلص من الإحتكارات المالية و الإستغلال ، نحو نظام عالمي يتخلص من حالة القطب الواحد ، نحو عالم أكثر عدلا و مساواة .
سامر عنبتاوي
٨-٤-٢٠٢٠