لم تكتفِ سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالتعامل بـ “عنصرية” مع العمال الفلسطينيين الذين توجهوا قبل ثلاثة أسابيع للعمل في مناطق 48، حين ألقت عددا منهم على قارعة الطريق، بشبهة إصابتهم بفيروس كورونا دون أن تقدم لهم العلاج، بل زادت في إجراءاتها العسكرية، التي تحمل في ثناياها خططا أمنية وتجسسية، وفرضت على هؤلاء العمال تحميل تطبيق على هواتفهم النقالة، يتيح لأجهزة أمن الإسرائيلية الولوج إلى ما بداخل تلك الهواتف، والحصول على ما تريد من معلومات وأسرار.
العالم-الاحتلال
ومستغلة الحاجة للعمل، كشف النقاب عن طلب سلطات الاحتلال من العمال الفلسطينيين تحميل تطبيق “المنسق”، وهو تطبيق خاص بمنسق أعمال حكومة الاحتلال في المناطق الفلسطينية، كشرط لبقائهم في العمل بمناطق الـ48.
و”المنسق” هو الجهة المسؤولة عن إصدار التصاريح للعمال، وغيرها من الأمور والملفات بما فيها إدخال البضائع للمناطق الفلسطينية، وحتى منح تصاريح البناء وهدم المنازل، ويتبع لقيادة جيش الاحتلال، ويرأس مكتب المنسق ضابط إسرائيلي كبير برتبة جنرال.
وفي السابق حذرت الجهات الأمنية في قطاع غزة من التعامل مع صفحة “المنسق” على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبارها واجهة أمنية، تستغل حاجة السكان الانسانية للحصول على تصاريح زيارة أو علاج، لإسقاطهم في وحل التعامل مع المخابرات الإسرائيلية.
وفي زمن، كشف فيه النقاب مرات عدة، عن قدرة أجهزة الأمن وحتى “الهاكرز” على الولوج إلى أجهزة الاتصال الذكية، من خلال تطبيقات معينة يتم تنزيلها، وبإمكانها جعل ما على هذه الأجهزة من ملفات، صفحة مفتوحة أمام المخترقين، كُشف النقاب في إسرائيل، بأنه طلب من العمال الفلسطينيين والحاصلين على تصاريح للتواجد في إسرائيل منذ الأربعاء الماضي، تحميل تطبيق “المنسق” الذي يسمح للجيش الإسرائيلي بالوصول إلى الملفّات والكاميرا في هواتفهم وتحديد أماكنهم.
وبحسب موقع صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، فإن هذا التطبيق باستطاعته أيضا الوصول إلى المكان الجغرافي والرسائل والملفات المحفوظة في الهاتف، وعند الموافقة على استخدام التطبيق، يظهر النصّ الآتي: “من المحتمل أن نستخدم المعلومات التي نجمعها لكل هدف، بما في ذلك الأهداف الأمنيّة” بالإضافة إلى حفظ المواد عند الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لاستخدامها لاحقا.
وتتذرع سلطات الاحتلال بأن الهدف من وراء هذا التطبيق، هو العمل على الحد من انتشار فيروس “كورونا” خاصة وأن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حصل على مصادقة المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، على استخدام وسائل تكنولوجية متطورة، لمتابعة ورصد حركة مرضى “كورونا”، من خلال مراقبة هواتفهم النقالة ووسائل تكنولوجية متقدمة أخرى.
وتزعم سلطات الاحتلال، في تبريرها لاستخدام التكنولوجيا للتعامل مع فيروس “كورونا”، أنه بواسطة هذه الأداة سيكون ممكنا إدخال من كانوا على مقربة من المريض إلى العزل، ويمنع الإدخال الكثيف بين الناس في العزل الاحترازي.
هذا ومن المحتمل، أن تستغل سلطات الاحتلال هذا التطبيق مع عودة عشرات آلاف العمال الفلسطينيين إلى مناطق سكنهم في الضفة الغربية، وتقوم بجمع المعلومات الأمنية من خلال اختراق هواتفهم بما في ذلك الحصول على معلومات شخصية وسرية وحتى عائلية.
وبما يدلل على خطورة المخطط الإسرائيلي، قوبلت الخطوة بانتقاد فلسطيني، حيث سلط الإعلام الرسمي الضوء على الملف. ونشرت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية “وفا” تقريرا جاء فيه: “لم توقف نزعة التوحش الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، واستهدافهم بكل الوسائل بما فيها توظيف التكنولوجيا لأهداف استخباراتية وأمنية، دون التفات إلى حقهم في حماية خصوصيتهم”.
وتابعت: “تطبيق المنسق الذي أعلن الاحتلال الإسرائيلي أن على العمال الفلسطينيين تحميله أثناء تواجدهم في الداخل، أداة جديدة ضمن أدوات الاحتلال للتجسس على أبناء شعبنا المستمرة منذ عقود”.
وقال الناطق باسم وزارة العمل رامي مهداوي: “إن هذا تدخل في أمور حق المعرفة وهو قانونيا خاطئ وغير أخلاقي، وهو اختراق لحقوق خاصة للعامل الفلسطيني وانتهاك لإنسانيته، وهو إقرار من العامل للمحتل الإسرائيلي أن كل ما يملكه من معلومات حق للاحتلال يتم استخدامه لأهداف احتلالية”، مؤكدا أن وزارة العمل الفلسطينية سترفع شكوى بذلك إلى منظمة العمل الدولية، باعتبار ما يحصل أحد الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال بحق العمال.
وأضاف: “نخشى أن مثل هذا السلوك سيؤثر في المستقبل على كافة العاملين الفلسطينيين وربما سيتم الطلب كذلك من رجال الأعمال وفئات أخرى”.
من جهته حذر مدير عام الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك من التعامل مع هذا التطبيق، لافتا إلى أن دولة الاحتلال تستخدم كل ما هو متاح لـ “التجسس على الفلسطينيين دون رقابة”، مضيفا: “أي شيء من هذا القبيل يجب التعامل معه بحذر وخطورة، لأن ذلك ممكن أن يمس بنا أو غيرنا وفق الطريقة المستخدمة”.
وأشار إلى أن إسرائيل تستخدم عادة “قوانين الطوارئ البريطانية” في مواجهة الفلسطينيين، وقال: “هي تطلق يدها في المستويات الأمنية والقضائية والعسكرية لمواجهة الفلسطينيين، وعمليا لا يوجد أي رادع أو ضمانة في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية”.
وقال إن هناك وحدة رقم 8000، وهي متخصصة بجمع المعلومات عن الفلسطينيين من خلال الأدوات الالكترونية، لافتا إلى أن جميع هذه الإجراءات تتم دون أي ضمانة لاحترام أية خصوصية للفلسطينيين، وأضاف: “هذا الإجراء ضمن السياق الذي يعملون به، ولديهم أدوات مختلفة ومتنوعة”.
وأشار كذلك إلى أن الإسرائيليين يجمعون معلومات عن الفلسطينيين لاستخدامها ضدهم، كأشخاص وعائلاتهم، لافتا إلى أنه لا يعرف كيف يقوم الاحتلال بتوظيف هذه المعلومات.
وأوضح دويك أن إسرائيل بعد انتشار فيروس كورونا، بدأت تستخدم هذه التكنولوجيا على الإسرائيليين، مشيرا إلى رفض لجنة الكنيست طلب رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو استخدام هذه التكنولوجيا إلا أنه استخدم قوانين الطوارئ لتطبيقها.