أحمد عليان
أثرت تدابير الحجر الصحي، والتدابير الأمنية التي رافقتها بما فيها اعلان حالة الطوارئ، جراء انتشار وباء فيروس كورونا بشكل مباشر على سائر العلاقات والالتزامات بين أطراف المجتمع سواء بين الدولة والمجتمع أو بين الأفراد. الامر الذي يتطلب حماية مصالح خاصة للأفراد والشركات كإعفاء المستأجرين من أداء الأجرة أو تخفيضها الى حدود تتناسب مع عدم حالة الانتفاع للنشاط التجاري في البلاد. ويطرح مصير العلاقات المدنية والتجارية بين الاشخاص الطبيعيين والمعنويين والتي ترتب التزامات وحقوق لمختلف أطراف العلاقة التعاقدية، ومدى القدرة على تنفيذها بالوجه المتفق عليه، والأثر القانوني المترتب على عدم تنفيذ هذه الالتزامات بسبب انتشار فايروس كوفيد-19، وهل يمكن اعتباره من صور القوة القاهرة أو الظروف الطارئة اللتان تمنعان المتعاقد عن الوفاء بالتزامه العقدي؟
عالجت مجلة الأحكام العدلية التي تعتبر بمثابة القانون المدني الفلسطيني الاحكام المتعلقة بالعقد واثره بالنسبة للمتعاقدين وللغير ولكنها لم تنص صراحة على القوة القاهرة او الظروف الطارئة الا في اطار ضيق في بعض الأحكام المتعلقة بالإجارة في حالات عدم القدرة على تحقق المنفعة من المؤجر وذلك في المواد (469) و (470) و (471)، ونص القانون الفلسطيني بشكل واضح على القوة القاهرة في المادة رقم (34) من قانون رقم (6) لسنة 1999م بشأن العطاءات للأشغال الحكومية حيث جاء فيها " 1- لا يتحمل المتعاقد الأضرار المترتبة على التأخير في تنفيذ العقد أو عدم الوفاء به إذا كان التأخير أو عدم الوفاء بسبب القوة القاهرة. 2- في كل الأحوال عند وجود قوة قاهرة على المتعاقد تقديم إشعار خطي وفوري إلى الجهة المتعاقدة بالظروف والأسباب التي تمنع تنفيذ العقد أو التأخير في الوفاء به وتقديم كل ما يثبت ذلك.3- تكون القوة القاهرة المؤقتة من مبررات التأخير ويجب الوفاء بعد زوالها، وتكون القوة القاهرة الدائمة من مبررات عدم الوفاء.".
كما نص قانون المخالفات المدنية رقم (36) لسنة 1944صراحة على أحداث الطبيعة في المادة (50\ \3ج) منه على "ج...اولاً : كان الضرر، وإن كان ذلك الشخص مهملا ، قد نشأ عن وقوع حدث من أحداث الطبيعية الخارقة مما لا يتوقع حدوثه شخص معتدل الادراك وانه لم يكن في الإمكان تجنب عواقب ذلك الحدث باتخاذ الحيطة المعقولة أو..). وكذلك جاء في بعض نصوص قانون التجارة رقم (12) لسنة 1966 المتعلقة بمسؤولية الناقل.
فيما نصت المادة (151) من مشروع القانون المدني الفلسطيني على أنه" إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، أصبح مرهقاً للمدين، يهدده بخسارة فادحة، جاز للمحكمة تبعاً للظروف أن ترد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلاً كل اتفاق يقضي بغير ذلك". يمنح هذا النص سلطة تقديرية للقاضي لمعالجة الموقف الذي يواجهه؛ وإن أدى ذلك إلى إهدار القاعدة الشهيرة التي تجعل العقد شريعة المتعاقدين، فهو يستطيع اولاً أن ينقص الالتزام المرهق، ويستطيع ثانياً أن يزيد في الالتزام المقابل، ويستطيع ثالثاً أن يوقف تنفيذ العقد حتى يزول الظرف الطارئ، ويعني تدخل القاضي بهذه الطريقة انه يحل أرادته محل إرادة المتعاقدين، حيت يعيد بإرادته هو صنع العقد من جديد، كما يعني من الناحية القانونية أن هناك تجديداً للالتزامات الناشئة عن العقد، بحيث تنقضي الالتزامات القديمة، وتحل محلها التزامات جديدة من صنع القاضي، فهي إذاً التزامات قضائية مصدرها حكم القاضي وليس العقد.
مما لا شك فيه أن فكرة العقد شريعة المتعاقدين توجب احترام مضمون العقد سواء من طرف المتعاقدين أو من جانب القضاء، لكن الأوبئة الصحية كواقعة مادية صرفه تكون لها آثار سلبية واضحة على تحقيق التوازن الاقتصادي للعقد يمكن رصد ملامحها على العلاقات القانونية بوجه عام والعلاقات التعاقدية على وجه الخصوص حيث تتصدع هذه الروابط نتيجة ركود يصيب القطاعات الاستثمارية. الامر الذي يثير مسألة التعامل مع جائحة كورونا "كوفيد 19" تخضع لكل من نظرية الظروف الطارئة والقوة القاهرة استثناءً من مبدأ القوة الملزمة للعقد التي أستقر القانونيون على تسويغها بمقتضيات تحقيق العدالة.