الرئيسية / مقالات
استراتيجية الخروج من الازمة المترتبة على وقف النشاط الاقتصادي
تاريخ النشر: الأحد 03/05/2020 13:15
استراتيجية الخروج من الازمة المترتبة على وقف النشاط الاقتصادي
استراتيجية الخروج من الازمة المترتبة على وقف النشاط الاقتصادي

محمد خضر قرش – لصالح مؤسسة REFORM
من المفيد وضع مقترحات عملية ومهنية وذات بُعد استراتيجي للخروج من الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني. فليس من المبكر البدء بتقديم المقترحات العلاجية وبالأدق الاستبدالية، بل نخشى ان نكون متأخرين بعض الشيء. وقديما قالوا "رب ضارة نافعة"، فمن الضروري الاستفادة من جائحة كورونا لإعادة هيكلة وبناء الاقتصاد الوطني من جديد. بداية لا بد من الإشارة إلى أن المقصود باستراتيجية الخروج من الازمة ليس العودة بالاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه قبل " انتشار جائحة كورونا"، وإنما إعادة بناءه وتغيير بنيته الاستهلاكية الحالية (حيث كان وما زال يعتمد في جُلِ موارده على الإيرادات الضريبية من الواردات من السلع والخدمات) إلى اقتصاد انتاجي يملك القدرة والامكانية على تحمل حدوث الازمات في المستقبل.
إن أزمة الاقتصاد الفلسطيني ليست وليدة جائحة كورونا فحسب، وإن كانت بمثابة القشة التي كادت أن تقصم ظهره، فالاقتصاد الفلسطيني يعاني من خلل هيكلي مزمن جاءت جائحة كورونا لتظهر ضعف استخدام الإمكانيات والموارد المتاحة. وبشكل عام فإن العوامل الرئيسة التالية كان لها الدور الفعال في استمرار ضعفه بما في ذلك فقدان الكفاءة الاقتصادية في توظيف الموارد المحدودة. فانتشار جائحة كورونا كان له الدور الملموس في كشف عِوار وثغرات الاقتصاد الفلسطيني الخالي من معظم قطاعات الإنتاج، فإن هناك عاملان رئيسيان كان لهما دورا أساسيا في ضعف وهشاشة الاقتصاد الوطني وهما: 1-الاحتلال الإسرائيلي وسيطرته وتحكمه بالموارد والثروات الطبيعية وحرمان السلطة والحكومات المتعاقبة من الاستثمار في 62% من ارض الضفة الغربية باعتبارها مناطق "ج “.
2-السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة منذ عام 1994 وحتى الان. فقد فتحت بل وشجعت عمليات الاستيراد لسلع عديدة استهلاكية وترفيه وتفاخريه ليست ضرورية للاقتصاد الوطني ولا تساهم في تعزيز صموده conspicuous consumption (كالسيارات الحديثة الفارهة جدا) فباتت معارض السيارات تزدحم بها شوارع المدن الرئيسة بالإضافة إلى بناء الفلل الفخمة غير الموجود شبيها لها لدى رجال اعمال الاحتلال وأغنياءه. فالمبرر الذي قُدم لسياسة فتح الاستيراد على مصراعيه كان لرفد الخزينة بالإيرادات الضريبية كالجمارك وغيرها. وهذه السياسة كان لها الدور الكبير لانتشار البطالة وهجرة الشباب من القرى والارياف إلى المدن وخاصة رام الله، فباتت القرى عبئا على الاقتصاد الوطني بدلا من ان تكون عونا وسندا وداعما ومنتجا كما كان قبل الاحتلال عام 1967.
لقد اتضح بشكل لا لبس فيه ولا غموض الخطايا الكبيرة التي تضمنتها اتفاقية باريس الاقتصادية سيئة الصيت والسمعة والتي ربطت الاقتصاد الوطني بالإرادة الإسرائيلية وكرست سياسة الابتزاز التي تمارسها سلطات الاحتلال. وحتى لا أطيل في تشخيص الواقع المؤلم للاقتصاد الفلسطيني فسألج حالا إلى أبرز عناصر ومقومات الخروج من أزمة كورونا (أزمة الاقتصاد المستفحلة).
تتمثل الاستراتيجية الأولى بالعودة إلى الأرض وزراعتها، حيث أخطأت السلطة والحكومات المتتالية والمصارف أخطاء قاتلة وبعضها لا يغتفر بشأن اهمالهم الأرض الزراعية وعدم تطوير الريف الفلسطيني وإقامة مشاريع تعتمد على السلع والمنتجات الزراعية. وكان هذا السبب الرئيس لهجرة الشباب من القرى إلى المدن وانتشار البطالة بين صفوفهم مما دفعهم إلى العمل في مصانع ومؤسسات الاحتلال ومستوطناته. فسوق العمل الإسرائيلي يستوعب حاليا وفقا للإحصاءات الرسمية نحو 140 ألف عامل منهم 25 ألف تقريبا يعملون في المستوطنات. فهم يعملون في القطاعات والمهن الدونية التي يعزف العامل الإسرائيلي على العمل بها ضمن ظروف قاسية وعنصرية؛ أي أن عملهم لدى مصانع الاحتلال لا يولد خبرات وكفاءات رغم طول سنوات العمل وإنما يولد بؤسا اجتماعيا قد تدفعهم إلى مكان يؤثر سلبيا على انتمائهم مما يؤدي بهم في حالات ليست قليلة إلى تناول المخدرات بأنواعها ويجعلهم أسرى للثقافة الإسرائيلية وأكثر ارتباطا بعجلة الطحن الإسرائيلية التي لا ترحم.
تحتاج القرى والارياف إلى تطوير البنية الزراعية كإدخال الميكنة وبناء الصناعات التحويلية التي تعتمد على السلع الزراعية التي تنتجها الحقول. كما يتطلب توسيع رقعة الأرض الزراعية تدريجيا ووقف الهجرة من الريف الى المدينة وتراجع عدد العمال الذين يتدفقون يوميا من الصباح الباكر حتى مغيب الشمس إلى المصانع ومشاريع البناء الإسرائيلية وخاصة في المستوطنات. ولنا ان نتصور لو ان الحكومات المتعاقبة اهتمت بالقطاع الزراعي والأرض لتم استيعاب الأيدي العاملة الفلسطينية وتطوير الحياة في الريف الفلسطيني الجميل مما سيعكس نفسه مباشرة على وقف الهجرة الداخلية والتي أدت إلى حدوث اختلال سكاني ملموس مما أحدث اختلالا ملموسا في توزيع السكان والتنمية معا.
فقد أحدثت الهجرة الداخلية تشوهات في البناء الاقتصادي والتنموي والثقافي والاجتماعي. فانتقال العمال من الريف إلى المدينة شكل عبئا على المرافق فيها ولم تعد البلديات قادرة على القيام بواجبها. فسكان المدن وخاصة الرئيسة تضخم بعامل الهجرة وليس بالتوالد الطبيعي. فمرافق الخدمات في المدن باتت تئن من الازدحام السكاني. لذا فإن أول خطوة استراتيجية للخروج من الازمة يجب أن يتركز على العودة إلى الأرض وزراعتها وإقامة المصانع التحويلية لاستيعاب الأيدي العاملة مما سيؤدي إلى وقف الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر صاحبها وليس بالضرورة رأي المؤسسة او الممول.


 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017