بقلم: تسنيم خالد صعابنه
في زمن الحروب الجوع الدمار والدماء، هناك براءة تُنتهك، وطفولة تُغتصب، وابتسامة تٌجلد، ويطغى الوجع والألم والقهر، ويحل البؤس والتشاؤم والجوع والإحباط، وتنتشر الأمراض والتشرد والضياع، أطفال ولدوا مع الحرب وماتوا بها، أي ذنب اقترفوا ليلقوا هذا المصير من الجوع والموت والشقاء وسط قذائف الرصاص والدماء، في حين أن أكبر أحلامهم هي الحصول على قطعة حلوى أو دمية صغيرة. تُضيع طفولتهم وتزداد معاناتهم يوم بعد يوم, يعيشون حرب ليس لهم بها أي يد، تروع قلوبهم، وتجوع أمعائهم، يفقدون أحلامهم وحقهم بالتعليم والأمان الأسري، لا يمكنهم تخطي مشاهد القتل والدمار، والقصف يتجدد أمام أعينهم يوم بعد يوم.
أطفال شبوا لا يعرفون من الحياة سوى العنف، يعانون من عواقب مدمرة لحرب ليست من صُنعهم.
عار يتلبس الحكومات بما يصيب هؤلاء الأطفال, عارُ أن يُقتل صغار لم يروا من الحياة شيء, أن تصيبهم قذائف ومدافع، وتتقطع أمعائهم جوعاً، أن يطربوا بأصوات القنابل والرصاص, في حين أن غيرهم يطرب بموسيقى كلاسيكية، أن تدفن أحلام الطفولة مع أطفالها ولا تتحقق، أن تبقى حسرات في نفوس أصحابها.
هؤلاء الأطفال الذين أصبحوا جلداً على عظم، يحيط بهم صداع الجوع من كل صوب وحدب، أي ذنب اقترفوا ليحل بهم كل ما كان ويكون، هؤلاء الأطفال هم وقود الحرب الحقيقيون، فالجميع يتجاهلونهم ويتركونهم للموت، حتى إذا فارقوا الحياة يستغلونهم كأداة دعائية يرفعونها في وجه بعضهم البعض.
فمنذ عام 2014 قُتل في الحرب وفق إحصاءات دولية 2200 طفل, تُرى هل كانوا أسعد حظاً ممن بقي على قيد الحياة فريسة الجوع والمرض؟
فها هي الحرب في اليمن تدخل عامها الرابع, ويواجه الأطفال في اليمن أزمة كبيرة, وتستمر احتياجات هؤلاء الأطفال الضعفاء في النمو. وبحسب الإحصائيات فهناك 22مليون شخص بحاجة إلى مساعدة، بما في ذلك 11 مليون طفل, وقالت منظمة "أنقذوا الأطفال" إنها عالجت 400ألف طفل تحت سن الخامسة، و85 ألف طفل قد ماتوا حتى الآن في عام 2018، من سوء التغذية الحاد, محذرة من أن أكثر من 36 ألف طفل قد يموتون قبل نهاة هذا العام الجاري, وحذرت الأمم المتحدة من أن ما يصل إلى 14مليون يمني باتوا على حافة المجاعة.
ووفقاً للدراسات "أن الحوثي جَنَد23َ ألف طفل يمني وحرم 4.5 مليون من التعليم، ويعتبر الاستمرار في انتهاك الأطفال وزجهم بالمعارك، واختطافهم من المدارس والضغط على الأٌسر وأولياء الأمور لإرسالهم إلى المعارك تمثل جميعها جرائم حرب, ومخالفة لكل القوانين الدولية الخاصة بالطفل، حيث فقد العشرات منهم أرواحهم خلال الحرب في صفوف المتمردين".
هؤلاء الأطفال استيقظوا في ظلام الحرب, في الوقت التي من المفترض أن يكونوا هؤلاء الأطفال يلعبون في الشوارع, يذهبون إلى مدارسهم, يتنزهون بالحدائق, يمارسون حياة طفولية بريئة, يعيشون في أجواء مليئة بالدماء والقصف وأصوات الطائرات, وصفارات الإنذار، والصواريخ التي تتساقط عليهم من السماء، عدا عن رؤية الأجسام المشوهة والرؤوس المقطعة نتيجة الحرب المُدمرة.
ويزعم المجتمع الدولي أنه مهموم بشأن اليمنيين لكن لا شيء واقع يصدق هذا الزعم، فجميع الاتفاقيات والمستجدات والتحالفات تضع أطفال اليمن بين مطرقة العدو السعودي وسندان التبرير الأٌممي، فليس هناك جديد, مازال أطفال اليمن يعيشون تحت الفقر والجوع والقتل والتشريد, فمنذ 26- مارس/ آذار 2015، تقوم السعودية بشن غارات مكثفة على مواقع جماعة أنصار الله وحلفائها, المسيطرين على العاصمة اليمنية صنعاء ومعظم شمال اليمن, لدعم قوات الجيش الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي لبسط السيطرة على مجمل الأراضي اليمنية بعد سيطرة الجماعة عليها في يناير/ كانون الثاني 2015.
وعلى الرغم من أن السعودية تهدر سنوياً طعاماً بقيمة 13.3مليار دولار، بحسب دراسة لموقع (yougov) الحكومي البريطاني، هناك 821 مليوناً يعانون من نقص التغذية في العالم، 18 مليون منهم في اليمن, لم يعد لديهم سوا أوراق الشجر يغلونها مع الماء ثم يطعمونها لأطفالهم. بحسب برنامج الأغذية العالمي.
ولا ننكر أن الأطفال في مناطق الحرب والنزاع، يتعرضون لشتى أنواع الأذى الجسدي، من قتل وتعذيب والإصابة أثناء الحرب، ويبقى دائماً الأثر المعنوي النفسي المدمر لنفسية هؤلاء الأطفال هو الأقوى الذي يترك أثر على المدى البعيد، مما يؤثر على قدراتهم العقلية، ومشكلات عصبية ونفسية، والانعزال عن الناس, والبكاء، والاكتئاب، والميل إلى التشاؤم واليأس، وليس بالضرورة أن تظهر هذه الآثار على الأطفال سريعاً, بل ربما في وقت لاحق, وهذه الصدمات بحاجة إلى علاج مستمر، وإلاّ ستلعب دوراً سلبياً في تكوين شخصية الأطفال في المستقبل إن استمروا على قيد الحياة.
وبلا شك اليمن بحاجة إلى خفض حدة تصعيد النزاع, ووصول المساعدات الإنسانية دون عراقيل، واحتراماً فعلياً لقواعد الحرب، عدا عن النظام الصحي اليمني المدمر فعلياً في ظل النقص الحاد في الإمدادات الطبية وانخفاض معدلات التطعيم، ولم يتقاض معظم العاملين في هذا القطاع مرتباتهم في فترة الحرب، فهذا جميعه بحاجة إلى إصلاح وتحول إيجابي.