د. خالد معالي
برغم "كورونا"، ومسارعة الاحتلال لضم الاغوار والمستوطنات، وحالة الانقسام الفلسطينية التي تدمي القلب، تشكل النكبة الفلسطينية في ذكراها أل 72؛ ورغم ألمها الموجع، وحالة التراجع العربي؛ أملا بقرب التحرير وكنس الاحتلال والعودة؛ وذلك على يد المقاومة الباسلة المعقود عليها الآمال؛ كيف لا ؟!
في الذكرى أل 72 للنكبة؛ ما يتصور قادة الاحتلال أنهم حققوه من انجازات وانتصارات، ما هي في الحقيقة سوى اوهام وحالة طارئة عابرة في الزمن؛ وما هي إلا سحابة صيف؛ سرعان ما تزول بفعل مغايرة وجود دولته لمنطق الأشياء وطبائع الأمور والسنن الكونية، التي قضت بزوال الطارئ الغريب، وبقاء الاصيل المتجذر.
مع "كورونا" كونه حالة انسانية، جمدت الدول خلافاتها ومخططاتها، الا دولة الاحتلال، فهي تستغله لابتلاع المزيد من الارض والحقوق الفلسطينية، والدليل واضح وهو نية تحالف "نتنياهو" غانتس " ضم الضفة الغربية في الاول من تموز.
في ذكرى النكبة ال 72 وفي مكابرة وصلف وغرور وعنجهية واضحة؛ لسان حال "نتنياهو" ؛ يقول للمفاوضين من الفلسطينيين: سأجدد نكبتكم؛ ولن ينفعكم أيها الفلسطينيين البكاء ولا العويل ولا الذكريات الأليمة، ولا التوجه لمجلس الامن والامم المتحدة، وساضم الضفة غدا وتكون البداية بالاغوار والمستوطنات.
حالة الغرور والنشوة لدى الاحتلال بالدعم الامريكي الذي عبر عنه تصريح "مايك بومبيو"، وزير الخارجية الامريكي، باعتبار الضم شان "اسرائيلي"، وان الاستيطان لا يتعارض مع القانون الدولي، وغيره من التصريحات الداعمة للاحتلال، لن تغير مجرى التاريح وصيرورته بالتدبل والتغير.
لاحظ معي اخي القارئ، انه برغم قوة الدعم من قبل العالم الغربي لدولة الاحتلال؛ إلا انه من الملاحظ أنها تتقلص وتذوب، فهي انسحبت من لبنان وغزة؛ ولم تعد تتمدد كما كانت في السابق، وتراجع قوة ردعها بشكل كبير؛ بفعل المقاومة اللبنانية والفلسطينية الباسلة، فلا مكان للضعفاء في هذا العالم، بل لمن شمر عن ذراعية واطلق مقاومته الواعية المخطط لها جيدا، دون ارتجال وردات فعل غير محسوبة العواقب.
في مفارقة عجيبة؛ خُطط للشعب الفلسطيني أن يندثر في عالم القوة والظلم؛ وخطط كبار وقادة الصهاينة الأوائل في مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897 بان تكون دولة الاحتلال تحوي 20 مليون يهودي هم مجموع عدد اليهود في العالم؛ لكن ما استطاع قادة الصهاينة من تحقيقه من هذا الرقم؛ هو فقط جلب قرابة خمسة مليون يهودي لفلسطيني المحتلة.
بالقوة الظالمة تجري عملية تزوير ممنهجة للتاريخ؛ من محاولات الاحتلال بتغيير أسماء القرى والبلدات والمدن الفلسطينية في أل 48، وزرعها للمستوطنات في الضفة، وتغيير أسماء الأماكن المقدسة في القدس المحتلة، لكن كل هذا وغيره لن يطيل من عمر الاحتلال، كون الظالم ظلمة لا يدوم، والا لخرب وتدمر الكون.
إن كانت بريطانيا العظمى في إقامتها لاسرائيل قد نجحت، فانها لن تينجح في زرع ثقافة الهزيمة والاستسلام؛ لان الشعوب الحية لا تموت والحرائر الفلسطينيات لا يتوقفن عن إنجاب الإبطال صناع التحرير، فالحق ينتزع انتزاعا ولا يستجدى، وغدا ستجبر بريطانيا على تعويض الشعب الفلسطيني، فعلى من أخطأ أن يكفر عن خطأه؛ بتعويض اللاجئين، وان يبادر إلى ذلك من تلقاء نفسها؛ وان كانت الظروف لم تنضج بعد.
لو عقل "نتنياهو" وقادة الاحتلال، القاعدة التاريخية التي تقول أن الأيام دول، وان قوي اليوم؛ هو ضعيف الغد، ولو فهموا درس "كورونا" لوحده، ولو فهموا وعقلوا سنن التدافع والتحولات والتغييرات الجارية بسرعة في العالم؛ لوفروا على أنفسهم وعلى كيانهم، ضحايا كثر وقعوا او سيقعوا لاحقا، فصراعات القوى لن تتوقف، والقوي صاحب الحق والاخلاق والقيم هو من يدوم، وليس الغريب الطارئ الظالم، صاحب القوة المستمدة من غيره.