الرئيسية / مقالات
دولة الانتاج ....الفرصة القادمة
تاريخ النشر: الأثنين 18/05/2020 15:12
دولة الانتاج ....الفرصة القادمة
دولة الانتاج ....الفرصة القادمة

بقلم: الدكتور سعيد صبري
مستشار اقتصادي دولى – شريك اقليمي وممثل لصندوق فاستر كابتل - دبي
دون أدنى شك أنها بداية عام مرهقة جدا... العالم برمته استوعب هذه الجائحة الفيروسية وكل الضرر الذي أحدثه فيروس كورونا، ودون شك أن التباين واضح بين دولة وأخرى في التعاطي والتعامل. وبما ان وطأة هذا الفيروس قد خفت وتم فهمه بشكل أفضل من البدايات، لا أقول بأنه تم التأقلم معه، لأنه من المبكر جداً وصف هذه الحالة بالتأقلم، وإنما أقول بأن الإجراءات الوقائية والتي تهدف للحماية والحد من خطر هذا الفيروس باتت مفهومة ومقدرة.
نتفهّم ضغوطات الأزمة الصحية التي تؤثر على أغلب دول العالم، ونعي حجم التقليص في الأعمال التجارية على كافة المستويات والقطاعات، والجميع يعمل بطاقته القصوى لخدمة المجتمع والوطن لتجاوز هذه الأزمة القاسية. إنه اختبارٌ حضاريّ من المستوى الأول، فحضارة الأمم تُقاس بتعاملها مع الأزمات والتحديات الكبرى، ونموذج التحدي والتضامن والتكافل بين كلا القطاعين : العام والخاص وهو مثال يحتذي به ويشكل نموذجا من الشراكه التكامليه كونها أثبتت جدارتها في ظل هذه الأزمه وازمات سابقه وخرجنا منها اقوياء شامخين.
ولكن هذه الجائحة التي عصفت بالعالم أن دلت على شيء فقد دلت على أنه من الواجب أن تقوم االحكومه بالاعتماد على نفسها أولاً ولمدة طويلة، قبل أن يستطيع أحد من الدول الشقيقة والصديقة بمد يد العون والمساعدة لها، وأن تقوم بأنتاج حاجياتها الأساسية على الأقل وتصدير الباقي. فالدولة يجب أن يكون لها ما تعطي بقدر ما تحتاج لأخذه، وألا فإن الميزان التجاري لن يكون في صالحها، ويتبع ذلك ما يتبع من أختلالات مالية ونقدية وأقتصادية وسياسية نشجيع الاستثمار المحلى كبديل عن عاصفه او عواصف اخرى فد تضرب الوطن . وبالتالي، فإن من أهم الدروس والعبر تغليب المصلحة العامة عن الذاتية، وشفافية القرارات التي يجب أن نستخلصها والتى تتمثل بالعمل كفريق واحد وذي قيادة واحدة ولهدف واحد، ألا وهو المصلحة العامة للوطن واهل فلسطين أولاً وللأصدقاء ثانياً، وأن تكون رفعة الوطن والمواطن هي الهدف، من خلال التطوير والتحديث الشامل للسياسات والقوانين والأجراءات التي تؤدي الى عودة فلسطين سباقة في ميادين شتى زراعية وأقتصادية وصحية وتعليمية ومعلوماتية وغيرها الكثير.
أما اقتصاديا، فالأصل أن تكون الحكومة قد بدأت بتنفيذ عملية إنقاذ للوضع المالي وذلك بايجاد اليه لتمويل المنشآت الاقتصاديه من خلال "صندوق دعم للمشاريع الصغيره والمتوسطه" الذي تم الاعلان عنه سابقا ، في محاولة للتخفيف من الآثار الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد. طامّة كبرى أن تكون الدولة غير مستعدة لذلك، أو غير قادرة على ذلك، فالفريق الوزاري الاقتصادي مطالب بسرعة التحرك قبل فوات الأوان، والانغماس بالعمل ودراسة الخيارات المناسبة للمرحلة المقبلة، وأهم هذه الخيارات ما يتعلق بالتحول الحقيقي نحو دولة الإنتاج؛ دولة صناعة وزراعة واكتفاء ذاتي.
الإنجاز الحكومي حتى الآن في أزمة كورونا لم يكتمل ولم تنه الحكومة ما هو مطلوب منها، فالقادم أصعب وبالغ التعقيد، ومحو آثار كورونا، ليس تحديا بحد ذاته فقط، وإنما معجزة تحتاج إلى جهود مضنية لكي يتم تحقيقها، لكنها ليست بعيدة التحقيق إذا ما استعجلنا العمل في الاتجاه الصحيح فما زلنا ننتظر من الحكومه الفلسطينينه العمل عل تعزيز الاقتصاد الفلسطيني من خلال ثلاثة اطر مقترحة وذلك بالتركيز على قطاعي الزراعه وتكنولوجيا المعلومات:
البند الاول الاستراتيجي الذي يعزز السلسله الغذائيه والأمن الغذائي من خلال تطوير وتحديث الزراعة النباتية والحيوانية ليعطي لفلسطين قوة في أتخاذ قراراتها الداخلية والخارجية. وذلك يتأتى من خلال زيادة الرقعة الزراعية بمنطقه الاغوار الفلسطينيه وتنويع المنتوجات بأستخدام التقنيات الحديثة التي تزيد الأنتاج وتقلل أستهلاك المياه والفاقد منه بأضعاف. كذلك، يجب زيادة الأهتمام بشكل كبير بالثروة الحيوانية البرية منها والمائية وتنويع هذا الإنتاج وصولاً لأكتفاء ذاتي، يجعلنا دولة تأكل مما تنتج وتصدر الفائض. فمؤشرات العالميه الاقتصاديه تؤشر على الاحتياج العالمي الغذائي في العالم وهنا لفلسطين فرصة لتلبية الاحتياجين المحلي والعالمي.
البند الثاني: تعزيز السلسلة العنقودية، التصنيع الزراعي، ومن ضمنها تصنيع الأسمدة بأنواع متقدمة، فهو من أهم الخطوات التي يجب أن تترافق مع زيادة الأنتاج، فذلك يؤدي الى زيادة في التخزين، وتصدير الفائض بمردود أحسن وتقليل الأستيراد والطلب على العملة الأجنبية. وهذا الأمر سيكون حاسماً في زيادة التوظيف والأعتماد على المزارعين الفلسطينين ، مما يؤدي الى توزيع الأستثمار والسكان في مختلف مناطق البلد، بدل تركزها في بعض المدن الرئيسية.
البند الثالث: أن جائحة كورونا قد بينت فرصاً هائلة لقطاع الأتصالات وتقنية المعلومات في فلسطين، وهنا يجب تجاذب كافه الصناديق الاستثماريه من اجل دعم المبادرات لفلسطينية ، وتتمثل بعدة جوانب، أهمها الخدمات الألكترونية والبنى التحتية اللازمة لذلك. فالاتصالات المتطورة تشكل البنية التحتية الأساسية للمعلوماتية. وهذا بحد ذاته يشكل فرصة هائلة للقطاع الخاص. فمع تطور التقنيات تأتي الحاجة لتطوير عوامل أمن وأمان المعلومات المتبادلة وطريقة التعامل معها وحفظها ومداولتها وأستخدامها كمنجم بحثي وعلمي وأقتصادي، وحمايتها من الأساءة ومنعها من الوصول الى جهات غير مرغوب بها.
وفي دراسة سابقة عن مجالات تطور تقنية المعلومات في فلسطين ، فقد خلصت الدراسة الى الأهتمام بأمن المعلومات ومناجم المعلومات كعناصر نجاح سريعة لتطور القطاع، وهما جزئيتان لا تزالان في غاية الأهمية وتشكلان فرصاً للقطاع الخاص التقني الفلسطيني ، بالأضافة الى توفير الخدمات الألكترونية محلياً وخارجياً، وجعل فلسطين مصدراً ومركزاً رئيسياً لخدمات التجارة الألكترونية في العالم، سيما في زمن أنترنت الأشياء Internet of things .
ولكون حجم السوق الفلسطينية متواضعاً لمثل هذه الخدمات والمنتوجات، يجب أن يكون المنتج التقني الفلسطيني قابلاً للتصدير ومتوافقاً مع الممارسات الفضلى في العالم ومتفقاً مع المنتوجات العالمية من حيث لغة البرمجة والتوافق مع برامج التشغيل وقواعد المعلومات العالمية. ويمكن النظر في انشاء جهة مختصة في أختبار وفحص البرمجيات بفلسطين وأعطائها الشهادة اللازمة لأثبات صلاحية المنتج عالمياً، حيث أن هناك عدة طرق لتفعيل ذلك من خلال التعاون والتنسيق مع جهات مختلفة بالعالم.
إن أدارة هذا التغيير الهائل في النهج و في التعامل مع الوطن والمواطن يتطلب رغبة حقيقية مؤمنة بقدرة الفلسطيني على الوصول الى الأستقلال الحقيقي للبلد، كما بحاجه لى كفاءات وطنيه قادرة على "ادارة التغيير " نحو عالم الانتاج ، وحكومات متعاقبة متفقة على أن المواطن ليس فقط مصدر أيراد للخزينة، وأنما هو عنوان التطور، ووجود الحكومة لتمكينه من التطور والتقدم. عندها تتطور البلاد وتتقدم ويصبح النهج الجديد “نجاح الدولة من نجاح مواطنها وليس نجاح المواطن من نجاح حكومته”. عندئذ سنقول ان فلسطين يدات تتشكل اقتصاديا وهذا الذي سيساعدنا عل الاستقلال الاقتصادي والسياسي
لا شك في أن البشرية تمر بتحدٍ خطير، لم يسبق لها أن مرت به من قبل، ومن الواضح جداً أن فكرة التعايش مع «كورونا» قد تكون الخيار الأخير، لكنه الوحيد المتوافر بين أيدي البشر حالياً، ومهما بذلت الدول من جهود وعزّزت من إمكاناتها الطبية، فإنها لن تستطيع الصمود دون تعاون أفراد المجتمع، ودون التزامهم، وحرصهم على أنفسهم وغيرهم، ودون اتباع الجميع لإرشادات وإجراءات الوقاية.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر صاحبها وليس بالضرورة رأي المؤسسة او الممول.
 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017