الرئيسية / مقالات
نقاط ضعف المفاوض الفلسطيني في القاهرة
تاريخ النشر: الأحد 24/08/2014 15:08
نقاط ضعف المفاوض الفلسطيني في القاهرة
نقاط ضعف المفاوض الفلسطيني في القاهرة

 بروفيسور عبد الستار قاسم

23/آب/2014

لم تكن المفاوضات غير المباشرة التي جرت في القاهرة سعيا لوقف إطلاق النار في فلسطين موفقة من الناحية الفلسطينية، ولم يستطع الجانب الفلسطيني انتزاع شيء جوهري من الجانب الإسرائيلي على الرغم من الأداء العسكري المتميز الذي قدمته المقاومة الفلسطينية. كان من المرجو أن يكون الأداء السياسي التفاوضي على مستوى الأداء العسكرين لكن كان واضحا أن مستوى أداء السياسي الفلسطيني أقل بكثير من مستوى  الأداء العسكري. لم يكن الأداء السياسي على المستوى المطلوب، ولم تكن أوراق طاولة المفاوضات متناسبة مع أوراق الميدان، ويعود ذلك لعدد من نقاط الخلل أذكرها أدناه:

أولا تركيبة الوفد الفلسطينيب

خضعت تركيبة الوفد الفلسطيني المرسل إلى القاهرة لعقدة سياسية نفسية أساءت للمسرح السياسي الفلسطيني على مدى عقود وهي استئثار الفصائل الفلسطينية بكل شيء وكل نشاط، وحرمان جمهور الشعب الفلسطيني الأوسع من المشاركة الفعلية والفعالة. تقاسمت الفصائل الفلسطينية المقاتلة وغير المقاتلة عضوية الفريق المفاوض، ولم تعر انتباها لقضايا جوهرية في التركيبة. فمثلا كان من المفروض أن يشتمل الفريق على خبيرين في القانون الدولي والقانون، وخبيرا في العلاقات الدولية وآخر في العلوم السياسية، وآخرين في الاقتصاد وعلم النفس. استثني الخبراء من الفريق، ولم تتشكل وحدة استشارية للوفد من الخبراء تعمل في الظل. هذا خطأ تكرر على الساحة الفلسطينية وبقيت الفصائل تتصرف بطريقة استئثارية تؤثر سلبا على مصلحة الشعب الفلسطيني.

ثانيا: بيئة المفاوضات

لم تكن البيئة التي جرت فيها المفاوضات صحية فيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية للسبب التالي

خالفت البيئة مبدأ أساسيا يجب أن يتمسك به الفلسطينيون دائما وهو أنه لا يجوز أن تقبل المقاومة وسيطا عربيا بينها وبين إسرائيل لأن مجرد قبول إسرائيل بدولة عربية وسيطا يلقي شكوكا كبيرة على سياسات ونوايا هذه الدولة. الدولة العربية التي تحظى برضا إسرائيل لا بد أن تكون متورطة بالدم الفلسطيني أو الأرض الفلسطينية، وهي دولة مساومة وليست دولة موقف. فما بالك بدولة عربية تعترف بإسرائيل وتقيم علاقات ديبلوماسية اعتيادية معها؟ ثم إن الدول الناشطة في البحث عن وقف لإطلاق النار مثل أمريكا وبريطانيا وبعض البلدان العربية مثل السعودية على نقيض مع المقاومة، وترغب أن يطلع ابصباح وقد تلاشت كل قوى المقاومة في المنطقة. أي أن بيئة المفاوضات كانت بيئة تؤيد زوال المقاومة وليس الاعتراف بقوة المقاومة. كان على المقاومة الفلسطينية أن تصر على إقامة بيئة متوازنة بحيث تتواجد دول في محيط المفاوضات تدعم المقاومة وتدافع عنها. كان من المفروض أن تكون طهران في القاهرة وفنزويلا وجنوب أفرقيا أو من شابه. لا يجوز ترك البيئة ضمن احتكار غربي عربي رسمي، فلا الغرب مؤتمن ولا المستوى الرسمي العربي مؤتمن

ثالثا: المفاوضات السرية: مقولة المفاوضات السرية هي مقولة الأقوياء الذين يتمسكون بها على مدى قرون. الاستعمار الغربي هو صاحب المدرسة التفاوضية السرية لأنه كان يحرص دائما على التحكم بطاولة المفاوضات مع الشعوب المقهورة من خلال القوة، وكان يرغب أن تكون الطاولة مسرحا له ليستعرض عضلاته ويهدد ويتوعد كيفما يشاء دون أن يسمعه أحد. ومن ثم تبنى هذه المدرسة أصحاب نظرية القوة في السياسة الدولية مثل هنري كيسنجر وهانز مورغينثاو. وبسبب عقد النقص العربية، تبنى العرب هذه المدرسة التفاوضية واعتبروها جزءا من فن التفاوض. من مصلحة الضعفاء أن تكون المفاوضات علنية لكي يسمع العالم منطق كل طرف، ولكي لا تبقى الأفكار والطروحات في الدهاليز. اعتمد مفاوض أوسلو مدرسة السرية وسار على خطاه مفاوض المقاومة. كان على المقاومة أن تفتح الأبواب أمام وسائل الإعلام لتغطي ما يطرح على الطاولة، وليعلم الناس مواقف كل طرف ومدى رغبته في الدفاع عن مواقفه. المفاوضات العلنية تشكل نوعا من الردع للأقوياء ورصيدا للضعفاء لأنها تدون للتاريخ ولحقوق الإنسان ولتشجيع الحروب وقتل الناس الأبرياء.

رابعا: التقصير في الحركة الدولية. كان من المفروض أن يطوف قادة من المقاومة أو من ينوب عنهم دول العالم ليشرحوا للشعوب والمجالس التشريعية والحكومات حقيقة المجازر الإسرائيلية في غزة ولكي يكسبوا التأييد العالمي للطرح الفلسطيني. لم يقم أثناء الحرب قادة مقاومة بزيارة موسكو أو بكين أو نيوديلهي أو كاراكاس أو ريودي جانيرو. كان من المفروض أيضا أن تتشكل وفود فلسطينة تطوف دول أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا مزودة بالوثائق من أجل فضح ممارسات الصهاينة

خامسا: ييحث العقلاء وقت الأزمات عن الأصدقاء ويعملون على زيادة أعداد الأصدقاء والتقليل من أعداد الأعداء. إيران وحزب الله هما الصديقان الموثوقان على الساحة الدولية للمقاومة الفلسطينية. لم نشهد قيادات فلسطينية تطير إلى طهران، أو تقوم بزيارات للسيد حسن نصر الله. دول عربية ترسل لنا طحينا وإيران ترسل لنا الصواريخ بممانعة شديدة من الأنظمة العربية. كان من الخطأ تجاهل إيران ودورها المحوري والأساسي في المنطقة، ولم يكن من الأصول عدم التواصل المكثف مع حزب الله.  لا يقف معنا وقت الضرورة بالسلاح إلا إيران وحزب الله، لا يجوز أن يبقى فلسطينيون أسرى لتباين المواقف مما يجري في سوريا.

سادسا: المماطلة والتسويف

بسبب البيئة التفاوضية غير الصحية، لم يكن المزاج التفاوضي غير الفلسطيني يبحث عن أمن الفلسطينيبين وإنما عن أمن إسرائيل، ولهذا كان الهدف إضعاف المقاومة وليس البحث عن حل لمشاكل الناس في غزة. ولهذا انتهجوا أسلوب المماطلة لكي يصيبوا الشعب الفلسطيني بالسأم والملل والزهق واليأس، ولكي يميعوا الموقف العسكري للمقاومة مما قد يؤدي إلى انفضاض الناس من حولها فتضعف. المقاومة قوية بالجمهور الملتف حولها أولا وثانيا بالسلاح الذ ي بين يديها، وإذا انفض الناس من حولها تكون قد فقدت أمضى سلاح لديها. كان المقصود إطالة أمد المفاوضات من خلال التهدئات المتكررة التي لم تجد نفعا، وأخذ الناس يتساءلون عن جدوى القبول بالتهدئة. لقد أخطأت المقاومة في قبولها للتهدئات المتكررة وأفقدت نفسها زمام المبادرة وفسحت المجال أمام القيادة الإسرائيلية لتناور ولتعيد جزءا من هيبتها أمام شعبها.

سابعا: العلاقات الشخصية مع أعضاء الوفد المصري

من المحظور أن تكون هناك علاقات شخصية مع أعضاء الوفود الأخرى على طاولة المفاوضات بخاصة عندما تتعلق المفاوضلت بقضايا مصيرية وذلك لتجنب المجاملات والإحراجات. بعض أعضاء الوفد الفلسطيني تربطهم علاقات شخصية مع بعض أعضاء الفريق المصري المفاوضن وبعضهم يقيمون علاقات مع رجال مخابرات مصريين. هذا غير جائز، والمفروض إعفاء كل مفاوض تربطه علاقات شخصية مع أعضاء الفرق الأخرى. وقد كان الإحراج والمجاملات ظاهرة في تعليقات أعضاء الوفد الفلسطيني عندما يتحدثون على شاشات التلفاز حول سير المفاوضات وحول دور مصر. كان يبدو التردد وعدم القدرة على إعطاء إجابات مفيدة، وغالبا ما كانوا يتلعثمون ويقعون في التناقضات. كانت المجاملات ظاهرة في تصريحاتهم، وبعضهم كان يبدو عليه الفرار من قول الحقيقة. المفاوضات الجادة لا تحتمل مثل هذا الوضع وكان من المفروض تصحيح الأمر فورا، لكن لم يحصل

على من يفاوض أن ينتبه إلى عناصر قوته لكي يجعل من الطاولة فنا حقيقيا. يجب ألا تكون الجدلية التفاوضية بمستوى أقل من الجدلية العسكرية. أبدعت المقاومة عسكريا، ولم يكن المفاوض على قدر القوة التي وفرتها له المقاومة

 

منشور في صحيفة الاخبار اللبنانية
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017