شهد لبنان في السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في نسب الطلاق التي فاقت الـ40 بالمئة على الرغم من أن أعداد الزيجات لا تزال تفوق أعداد حالات الطلاق.
يعزو أخصائيون ازدياد الطلاق بين الأزواج إلى الضائقة الاقتصادية التي يعيشها كثير من اللبنانيين و”الغزو التكنولوجي” والاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، عدا عن جهل بعض المقبلين على الزواج بالحقوق والواجبات المتعلقة بالحياة الزوجية.
وقال قاضي بيروت الشرعي ورئيس محكمة بعبدا الشرعية السنية السابق الشيخ أحمد درويش الكردي أن حالات الطلاق تتزايد في مختلف الدول ومنها لبنان، مرجعا السبب في ذلك إلى جهل الأزواج الجدد بالحقوق والواجبات بينهما.
وأَضاف الكردي أن “الضائقة الاقتصادية التي يمر بها كثير من اللبنانيين وواقعهم المادي المؤلم يتسببان اليوم في ارتفاع معدلات الطلاق”.
وقال أنه وبالرغم من تزايد حالات الطلاق في لبنان إلا أن “أعداد الزيجات ما زالت في ارتفاع″، لافتا إلى أنه لا إحصائيات ممكنة لدى المحكمة الشرعية السنية العليا عن أعداد الزيجات وحالات الطلاق.
وأوضح الكردي أن المحكمة الشرعية السنية العليا في لبنان لا تحكم بطلاق الزوجين عند أول خلاف بينهما، بل تحاول عبر “لجنة إصلاح ذات البين” معرفة أسباب التقدم بطلب الطلاق والعمل على تصالح الزوجين، خاصة إن كان لديهما أطفال.
من جانبها، قالت المعالجة النفسية والمتخصصة في القضايا والشؤون الأسرية الدكتورة عبلة البساط أن نسبة الطلاق في لبنان تشهد اليوم ارتفاعا ملحوظا، مشيرة إلى أن أهم سبب لهذا الارتفاع هو عدم فهم واجبات وحقوق الحياة الزوجية.
وأضافت البساط أن الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان يلقي بثقله الكبير على هذه القضية، ما يسبب الارتفاع في نسب الطلاق.
وسائل التواصل الاجتماعي دخلت على الخط في السنوات القليلة الماضية لتزيد من المشاكل بين المتزوجين
ولفتت إلى أن “الغزو التكنولوجي” ووسائل التواصل الاجتماعي دخلت على الخط في السنوات القليلة الماضية لتزيد من المشاكل بين المتزوجين، وتؤثر بشكل سلبي على علاقتهم الأسرية والزوجية.
وأضافت أن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديثة كبرنامجي “وتس أب” و”فايبر” فتحت مجالا واسعا لتسلل “العلاقات الحوارية غير الخاضعة للرقابة الأسرية والزوجية”.
واعتبرت البساط أن تمضية الأزواج أوقاتا طويلة بالتحدث عبر هذه الوسائل والبرامج، وإهمال الواجبات الزوجية والمنزلية “سببت الكثير من المشاكل لدى عشرات بل مئات الأزواج الذين وصل بهم الحال إلى الطلاق.
وروت إحدى السيدات قصة أسرة لبنانية مكونة من 5 أشخاص تفككت بسبب وسائل التواصل الاجتماعي.
فصديقتها، التي كانت تعاني من مشاكل مع زوجها، تعرفت منذ عدة سنوات على رجل باكستاني عبر الانترنت، ودأبت على الحديث معه حتى تطورت العلاقة بينهما إلى علاقة عاطفية.
وقالت السيدة، التي رفضت ذكر اسمها، أن الأمر وصل بصديقتها إلى أن تترك بيتها وبناتها الثلاث في لبنان وتسافر إلى اليمن حيث يقيم “عشيقها” الباكستاني، وتزوجته هناك. ويبدو أن حالة هذه “العاشقة” ليست الوحيدة، فالحديث كثير عن حالات افتراق وطلاق بين الأزواج في لبنان بسبب “علاقات افتراضية” عبر شبكة الانترنت.
ولفتت البساط إلى أن مشكلة فقدان الأزواج التواصل فيما بينهم ليست محصورة في عامة اللبنانيين أو الفقراء أو غير المتعلمين “بل تشمل الكثير من أصحاب المناصب والمراكز العامة أيضا”.
تمضية الأزواج أوقاتا طويلة في التحدث عبر هذه الوسائل والبرامج وإهمال الواجبات الزوجية والمنزلية سببت الكثير من المشاكل
وأضافت أن هناك “سوء فهم” كبيرا للأدوار التي يجب على الزوجين القيام بها تجاه منزلهما “فالزوج يعتبر أن تأمين الطعام والشراب يكفي، والزوجة ترى أن تحضير الطعام وتنظيف المنزل يكفيان”. وأوضحت قائلة: “طالما أن هذه الأسباب قائمة فإن نسب الطلاق ستبقى في ارتفاع مستمر”، مشيرة إلى أن “النسبة تعدت الـ 40 بالمئة في لبنان”.
ودعت البساط إلى سن قوانين تفرض دورات تدريبية للمقبلين على الزواج “من أجل فهم الواجبات والحقوق والإدارة المالية وتربية الأبناء”، معتبرة أن مثل هذه الخطوة “ستساهم في تخفيف الكثير من المشكلات بعد الزواج وبالتالي انخفاض معدلات الطلاق”.
وأشارت إلى أنه حين تم فرض مثل هذه الدورات في ماليزيا في وقت سابق انخفضت نسبة الطلاق إلى حوالي 7 بالمئة.
ونصحت المقبلين على الزواج أن يُخضِعوا أنفسهم لمثل هذه الدورات الإيجابية “لحين إقرارها رسميا” في لبنان.
وبينت البساط أنها تعمل دائما على حلّ مشكلات الأزواج الذين يزورونها قبل وقوع الطلاق، مشيرة إلى أن الكثير من هذه الحالات تتم معالجتها فـ”يعدل الزوجان عن فكرة الطلاق بعد عدة جلسات من النقاش والحديث”.
واستطردت أن النازحات السوريات في لبنان أضفن سببا جديدا لوقوع حالات طلاق بين الأزواج اللبنانيين، “بسبب محاولات البعض منهن التقرب من رجال لبنانيين حتى ولو كانوا متزوجين من أجل تأمين مسكنهن ومأكلهن”.
ويئن لبنان تحت وطأة ضغط النزوح السوري المستمر منذ اندلاع الأزمة في مارس 2011، حيث وصل عدد النازحين السوريين فيه إلى 929 ألفا وفق المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، في حين تقول الدولة اللبنانية أن عددهم تجاوز المليون و200 ألف.