*بقلم الدكتور : نمر أديب ابو شهاب – الولايات المتحدة
كيف وصلنا الى هنا ؟
في الوقت الذي ارتفع فيه عدد الحالات المؤكدة لفيروس الكورونا (COVID-19) الى اكثر من ٣ مليون حالة وتخطى عدد الوفيات حاجز الـ ٣٦٠ الف، لا تزال الحكومات والشعوب في معظم دول العالم يصارعون لاحتواء هذه الأزمة باشد المعايير الممكنة والتي تضمنت إغلاق مرافق الحياة المختلفة وعزل المصابين بالمرض.
الهدف من عزل الحالات المصابة في مثل هذه الأوبئة هو خفض عدد الإصابات الثانوية (R0) إلى أقل من ١. هذا يعني أن كل مصاب بالفيروس ينقل العدوى إلى أقل من شخص مما يؤدي الى الحد من انتشار الوباء. بالنسبة لفيروس الكورونا فإن عدد الإصابات الثانوية هو ٢.٤. ولكن من الأمور المهمة في وباء الكورونا، والتي تميزه عن اوبئة اخرى، هو ان المرض يمكنه أيضا الانتقال من المريض المصاب الى شخص اخر قبل ظهور الأعراض بـ ١٢ ساعة (Presymptomatic). لذلك الاعتماد فقط على عزل المرضى الذين تظهر عليهم الأعراض ليس كافيا للحد من انتشار المرض، خاصة ان تأخر ضبط الأعراض لدى المصابين الجدد. كما أن ٤٪-١٤٪ من المصابين لا تظهر عليهم أي أعراض للمرض نهائيا (Asymptomatic)، وهؤلاء ايضا يمكنهم نقل العدوى لغيرهم من دون معرفة إصابتهم، مما يشكل تحديا كبيرا للسيطرة على الوباء.
لهذه الأسباب كان من البديهي ان نقوم باتباع اساليب اخرى لمكافحة المرض بالاضافة لعزل الحالات المصابة، فقامت بعض الدول بتتبع المصابين والأشخاص الذين يحتكون بهم، تشجيع الناس على البقاء في منازلهم، والمحافظة على المسافة الآمنة. تتبع الاشخاص الذي يحتك بهم المصاب، وبالرغم من أهميته، إلا أن الإمكانيات في معظم دول العالم لا تتيح هذه القدرة خاصة عندما يكون عدد السكان كبيرا جدا او ان القدرات التقنية محدودة. لذلك كانت معظم الدول تركز على الأساليب الأخرى كالبقاء في المنزل والحفاظ على المسافة الآمنة، مما اضطرهم الى اغلاق المحلات، الشركات التجارية، وأماكن التجمع.
هذا الإغلاق يؤدي الى ضربة قاصمة لاقتصاد هذه الدول بشكل غير مسبوق في التاريخ الحديث. بعض الدول قد تحتاج لسنوات كي تعود إلى وضعها قبل الوباء. في الولايات المتحدة الامريكية وصل عدد الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم لاكثر من ٣٠ مليون شخص خلال شهرين. كما يقدر الخبراء الاقتصاديين أن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة سيهبط بما يقدر بـ ٢٥٪-٥٠٪ بحلول صيف ٢٠٢٠. في ذات الوقت، ليس من المعروف إن كان هذا الإغلاق العام حقا يساعد في انهاء الوباء. في الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، ايران، فرنسا، وكوريا الجنوبية لا تزال الحكومات متخوفة من موجة ثانية للوباء بعد إعادة فتح الاقتصاد خاصة بعد ظهور حالات جديدة في مقاطعات مختلفة. وهذا ما حصل ايضا في بعض الدول العربية كالاردن.
في الوقت الحالي من المتوقع أن الحل الجذري للانتشار لن يكون إلا بعد تطوير التطعيم المناسب، والذي لن يكون جاهزا للاستخدام البشري حتى اواخر ٢٠٢٠ او بداية ٢٠٢١. وهذه الفترة الزمنة بحد ذاتها تعتبر انجازا غير مسبوق في مجال تطوير التطعيمات، والتي تتطلب بالعادة ١٠ سنوات بالمتوسط. ولكن هل يستطيع الشعب، القطاع الصحي والاقتصاد الصمود حتى ذلك الوقت ؟
إعادة فتح الاقتصاد بشكل آمن
منذ بداية شهر أيار قامت العديد من دول العالم باتباع خطط مختلفة لاعادة فتح المحلات التجارية والمرافق العامة من أجل الحد من الدمار الاقتصادي الذي نجم عن الإغلاق. في الوقت نفسه حذرت الجهات الصحية من عواقب صحية وخيمة إذا ما تم الأمر بشكل لا يضمن سلامة الناس. فمثلا لو افترضنا ان مدينة ستفتح الاقتصاد بدءا ب ١٠ مصابين غير معروفين ومن دون تطبيق المسافة الامنة وتتبع الأعراض بشكل فعال فسوف يرتفع عدد المرضى خلال اقل من اسبوع الى ٢٠٠ حالة بعد انتهاء فترة الحضانة.
لكن، بالأخذ بعين الاعتبار أن ٩٠٪ من المصابين تظهر عليهم أعراض ولو كانت خفيفة وسيكونون قادرين على نقل المرض ١٢ ساعة قبل ظهور الأعراض، فإن فتح الاقتصاد بشكل متقطع مع رفع القدرة على ضبط الأعراض بشكل مبكر وعزل المرضى بكفاءة من المتوقع أن يكون فعالا جدا. في هذه الحالة، لو افترضنا ان مدينة ستفتح الاقتصاد بدءا ب ١٠ مصابين غير معروفين مع اتباع المسافة الامنة وتتبع الأعراض بشكل فعال فسوف يرتفع عدد المصابين من ١٠ الى ١٦ حالة خلال أسبوع، وهذا رقم بالإمكان السيطرة عليه من دون زيادة العبء على القطاع الصحي.
من العوامل المهم أخذها بعين الاعتبار ايضا هو ان نسبة خطر حصول مضاعفات لدى المرضى يتفاوت. في دراسة بريطانية، وجد الباحثون أن ٩ من كل ١٠ مرضى يحتاجون الى عناية مكثفة أو يموتون هم من ذوي الخطر المتوسط او العالي. لهذا فانه من المهم جدا معرفة نسبة الخطر لدى الاشخاص خلال اعادة فتح الاقتصاد من اجل تقليل الحاجة الى العناية المكثفة وتخفيض نسبة الموت. كما بالامكان ايضا توجيه عناية خاصة لذوي الخطر العالي والمتوسط لابقائهم آمنين. الأشخاص ذوي الخطر المنخفض تكون نسبة المضاعفات والأعراض لديهم خفيفة و بالغالب لا يحتاجون إلى عناية طبية.
ميدسولاس واستخدام المعلومات الرقمية
بناء على المعلومات السابقة فقد قامت العديد من الشركات الطبية والجهات الصحية بتوفير حلول رقمية للمساعدة على تتبع المرضى وتسجيل تطور الأعراض لديهم. على صعيد اكثر تطورا قامت شركة ميدسولاس (MedSolace) الطبية الأمريكية بتطوير حاسبة رقمية متطورة تمكن المستخدمين من معرفة خطر الاصابة والمضاعفات الناتجة عن فيروس الكورونا، اضافة الى تتبع الأعراض وتطورها لدى المرضى. وتم توفير التطبيق الخاص بالشركة باللغتين الانجليزيه والعربيه وإتاحته بشكل مجاني للجميع من أجل محاربة الوباء، اضافة الى لعديد من الجهات الصحية حول العالم.
هذه الحاسبة الطبية تستخدم معلومات تتعلق بالعمر، الجنس، التدخين والامراض المزمنة الاخرى من اجل تحديد نسبة الخطر. بعدها يتم تقسيم المستخدم إلى واحد من ٣ مجموعات، خطر قليل، خطر متوسط، او خطر عالي بناء على احتمال حاجتهم لعناية مكثفة أو ارتفاع نسبة الوفاة.
تقوم ميدسولاس ايضا باستخدام الذكاء الاصطناعي من أجل تحليل البيانات بشكل آمن ومعرفة نسبة الأشخاص ذوي الخطر المتوسط والعالي في الأماكن الجغرافية المختلفة، اضافة الى بدء وتطور الأعراض لديهم. بهذه الطريقة يمكن للتطبيق تحديد أماكن انتشار المرض، تقدير التأثر الناجم عنه على القطاع الصحي، وتوجيه عمليات الفحص بشكل دقيق. بإمكان الجهات الصحية ايضا ارسال رسائل خاصة وتنبيهات للمستخدمين عن طريق ميدسولاس، وتوجيههم للحصول على الفحوصات الطبية والرعاية الصحية الضرورية.
جميع هذه المعلومات جوهرية من اجل ابقاء المواطنين امنين واعادة فتح الاقتصاد بشكل تدريجي وفعال. فهذه المرحلة من الوباء هي من الاكثر أهمية، وإذا لم يتم التعامل معها بحذر فسوف نعود الى المربع الاول وتعود الحالات بالظهور من جديد مما يؤدي الى ضياع الجهود التي تم بذلها مبكرا كما حصل في بعض الدول. لذلك فإن تعاون الحكومة والقطاع الصحي مع الوسائل التكنولوجية الحديثة مهم جدا في هذا الوقت ومن المهم تطبيقه بأقرب وقت ممكن.
* الدكتور نمر اديب ابوشهاب، طبيب مختص بجراحة الدماغ والاعصاب في الولايات المتحدة الامريكة وأحد مؤسسيين شركة ميدسولاس الطبية.