قرية البارد...الهاشمية
إعداد: تسنيم خالد صعابنة
تحقيق استقصائي
وأنت في طريقك للدخول إلى قرية الهاشمية, تلاحق عيناك البيوت المتواضعة البسيطة, التي يجلس سكانها أمام إحدى نوافذها الصغيرة, وجبالها التي تتلون في فصل الربيع مع تفتح الزهور, والمحاطة بالأشجار الخضراء, فأينما نظرت, واجهتك صفوف مستقيمة متوازية من الأشجار, قرية يسكٌنها السكون, والهدوء, هوائها نقي, أُناس بٌسطاء.
الهاشمية قرية صغيرة تقع إلى الغرب من مدينة جنين وعلى بعد 5كم، يصلها طريق محلي يربطها بالطريق الرئيسي نابلس – جنين طوله 8كم، ترتفع عن سطح البحر حوالي 350م، ومساحة القرية العمرانية حوالي 120 دونم، أما مساحة أراضيها الكلية فتبلغ 2700 دونم، يحيط بأراضيها قرى مٌتكتلة, كفر قود، عرابة، العرقة، واليامون.
في القسم الشمالي من قرية الهاشمية، يُصارع الزيتون ليبقى شاهداً على جمال المكان، وشامخاَ على جبالها, ناثرا أوراقه في تشرين الأول على الجبال والطرقات الترابية القديمة, فمئات أشجار الزيتون تُحيط بالقرية، وتعتبر مصدراً رئيسيًا لزيت الزيتون ومصدر دخل مهم لأهالي القرية.
يروي رئيس المجلس القروي نصري مصطفى جرار, "لموقع تسنيم الإخباري", تصلح قرية الهاشمية للزيارات العائلية والشبابية الترفيهية، للتجوال والمسارات السياحية، للرحلات المدرسية، وللذهاب منفردًا، طمعًا في هواء نقي تمامًا، وماء يخرج من بطن الأرض.
مضيفاَ, "لا يتجاوز عمر قرية الهاشمية 250 عامًا, بمعنى أنها ليست قديمة جداً, ويبلغ عدد سكانها حاليًا 1450نسمة".
سبب التسمية
ويقول نصري, القرية لها أكثر من اسم, كان اسمها الأول المرتفعة, نظراً لارتفاعها عن سطح البحر, ومن ثم تمت تسميتها قبل النكبة ب قرية (البارد), نظراَ لبرودة طقسُها, وفي أيام الحكم الأردني وأثناء قدوم جلالة الملك عبد الله إلى القرية, عَرَفَ عن مختار الهاشمية بقوله (مختار القرية البارد), فرأى المختار أن كلمة البارد إهانة له, ورفع كتاب إلى جلالة الملك مطالبًا بتغير اسم القرية, وأصبحت تسمى بعد النكبة عام 1984م, باسم (الهاشمية) نسبة إلى جلالة الملك عبد الله, (الهاشميين), ولا رواية أخرى تتحدث عن سبب التسمية.
قُدر عدد سكانها قديماَ في عام 1922 (153)نسمة, وعام 1945(280)نسمة, وفي عام 1967 كان العدد(417)نسمة, وفي عام 1987 أصبح (528)نسمة, وفي عام 1997حوالي 705نسمة, ويعود بعض سكانها بأصولهم إلى عرابة, ومعظمهم من آل جرار.
وعن العائلات الموجودة في قرية الهاشمية يقول نصري, "لموقع تسنيم الإخباري", هنا في القرية يوجد عائلتان رئيسيتان فقط عائلة جرار وعائلة حمران, مضيفاَ, حالياَ تم ضم عائلتان عائلة أبو حسن من اليامون الذي أصبحوا جزء من هذه القرية, وعائلة الغوادرة.
المعالم الأثرية
ويتابع جرار, "هنا في القرية يوجد مقام يسمى الشيخ الشبل, ومقام اسكندر, بالإضافة إلى مقام المزار".
وفي السياق ذاته يقول, "بالقرب من المقام كان غرفة قديمة في عام 1936م, كان يدرس فيها حوالي عشرون شخص فقط, وكان التدريس فيها مختلط لغاية الصف السادس, ومن ثم تطورت المدارس في زمن الاحتلال وخاصة زمن السلطة الوطنية, والآن تم تطوير التعليم في المدارس إلى مرحلة التوجيهي, وتم فصل الذكور عن الإناث".
وعن الإنجازات التي تم تطويرها للقرية, يقول نصري, "لموقع تسنيم الإخباري", تم إنشاء مجلس قروي للقرية في وسطها, بالإضافة إلى مٌجمع خدمات وروضة أطفال تديرها الجمعية الهاشمية, وجميع هذه الإنجازات تمت بدعم من الدول المانحة والمساعدات المقدمة من السلطة الوطنية.
تضم قرية الهاشمية ثلاث مساجد, المسجد الأول قديم جداً يتجاوز عمره 200عام المسمى بمسجد الشيخ عباس, يتم ترميمه كل عام باعتباره معلًم ديني تاريخي قديم في القرية, علماً بأنه غير مستخدم حالياَ.
ويقول نصري جرار, من أكثر الأمور المزعجة في القرية هو موضوع القطاع الصحي يكاد يكون معدوم, ولا تتوفر خدمات صحية, سوا مركز رعاية صحية, يزوره الطبيب مرة واحدة في الأسبوع, على الرغم أنه تم منحه بناية خاصة بالقطاع الصحي تقدر مساحتها بأكثر من 160متر, إلا أنه لم يتم تطويره, ولا يوجد صيدليات في القرية, فكثير من الأوقات نضطر إلى الذهاب للمستشفيات للحصول على الدواء أو شرائه من الصيدليات الخاصة".
ضعف المراكز الصحية في القرى والمناطق النائية، هو ما يدفع المرضى للذهاب للمستشفيات العامة أو المستشفيات الخاصة، وهو ما يتسبب في تكدس المرضى فيها، ولا بد من تحسين مستوى الخدمات الصحية في المناطق النائية.
ويناشد جرار, وزارة الصحة للتدخل الفوري والعاجل لإنهاء مأساة سوء الخدمات الصحية, ويطالب بإيجاد مركز صحي يعمل به الأطباء.
وعود وهمية لتهيئة الطرق
سكان القرية ضاقوا ذرعاَ من الوعود الوهمية التي يتلقوها في كل مناسبة بشأن تعبيد الطرق، ذاكرين بأنّ شوارعهم لا تزال على حالها من الإهمال والتسيب، بداية بانعدام تعبيد الطرقات والأرصفة، وتحتاج القرية إلى طرق ممهدة ومرصوصة.
تعد الزراعة من أول الحرف التي مارسها السكان في القرية, ويزرع في القرية الحبوب والقطاني تقريباَ في ألف دونم, ويوجد فيها نحو 600 دونم مغروسة بالأشجار منها(485) دونماَ مغروسة بالزيتون, بالإضافة إلى تربية الأبقار والمواشي فيستفيدون من ألبانها وجميع مستخرجاته, والبعض يقوم بصناعة الأطباق من القش.
وعن مناخها يبين جرار أن قرية الهاشمية باردة شتاءَ, ومعتدلة لطيفة صيفاَ؛ بسبب ارتفاعها عن سطح البحر 450متر, بالإضافة إلى إطلالتها الجميلة الساحرة, غير أن القرية تعد مكان للتنزه في أيام الربيع خاصة في أيام الرحلات والعطل الرسمية, وتقدر نسبة الزائرين للقرية في هذه الأيام حوالي 80% من سكان المحافظة.
بعد النكبة1948 أسست وزارة التربية والتعليم مدرستين ابتدائيتين للبنين في القرية, ضمت 38طالبا والأخرى للبنات ضمت في عام 1966-1967 نحو 40 طالبة.
وكانت تضم مدرسة قديمة تضم نحو 40طالباَ يعلمهم معلم واحد, ويداوم بهذه المدرسة طلاب من قريتي العرقة وكفرقود المجاورتين, وكان في البارد ثلاثون رجلاَ فقط يلمون بالقراءة والكتابة.
والآن نسبة التعليم عالية جداَ في القرية، تقدر ب أكثر من 90%, ولديهم طلبة من كافة التخصصات في الجامعات، والحياة في القرية زراعية بامتياز، والحياة اليوم أفضل من السابق، بعد تحسن أحوال الناس المادية، ووجود الموظفين والسيارات والمهن المختلفة.
تحيط الجبال بالقرية من جميع الجهات, تبدو للناظر كأنها تلامس السماء, جبال عالية هادئة صامتة, متوجة بأشجار الزيتون والخروب, تسحر النفوس بجمالها وامتداد اخضرارها على مدى البصر, طيور مغردة, هواء نقي عيون جارية بمائها النمير.
القرية هي البرّية بجلالها وجمالها، وإشراقها وضيائها، وخضرتها ومائها، هي صياح الديك هي ركوب الخيل والحمير، والبكور إلى الطاحونة لطحن القمح والشعير، وحمل الماء من العين والينبوع والغدير. هي التمسك بالعادات الحميدة التي توارثناها عن آبائنا وأجدادنا.
الهاشمية لا تصلح لزراعة الخضار والفواكه؛ لأنها لا تحتضن السهول والأراضي القابلة لزراعة هذه النباتات, بينما تصلح لزراعة أشجار الزيتون واللوز والخروب...الخ.
"تشرب القرية وتروي مزروعاتها من نبع بالقرب من القرية, و تنعدم الخدمات والمرافق العامة فيها".
نبعة عين المالح
يوجد في قرية الهاشمية نبعة تسمى "نبعة عين المالح", وهذه النبعة هي السبب في وجود أجدادنا وآباءنا في القرية, فاكتشافها ساعدهم في البقاء على أراضي هذه القرية, خاصة أنهم كانوا يعتمدون بشكل مباشر على الزراعة وتربية الحيوانات".
هذه القرية من أصغر القرى في الضفة الغربية, فأول عملية إحصاء سكاني تم إجرائها من قبل السلطة الوطنية كان عدد السكان 750نسمة, أما الآن تضاعف العدد.
كان يتحصن بها الثوار, ومنهم المجاهد عز الدين القسام الذي دخل أراضيها وسكن فيها مدة 9أشهر, وتوَاجد في مكان يسمى(المغارة) ولا يزال متواجد هذا المكان حتى اليوم في القرية.
ومن شهداء الهاشمية الشهيد أحمد عباس جرار, التي استشهد مع عز الدين القسام في أحراش يعبد, وراح عدد كبير من الشهداء في عام1967, وحتى بعد النكسة.
"تشتهر قرية الهاشمية ب القطاني, (كل من الفول والحمص والفاصوليا والجلبان والعدس والصويا), وكل هذه الحبوب غنية بالبروتينات، وكثير من المكونات التي تهم تغذية الإنسان، وربما تحل محل اللحوم بنسبتها العالية من البروتينات النباتية.
عادات لو تخلت هي عن قريتها لما تخلى سكانها عنها, هي تقاليد للأجداد كانت وها هم الأحفاد يجملونها بطقوساً ليس لها مثيل.
ويرتبط أهل القرية بالعادات، والتقاليد المتوارثة ويسعون للمحافظةِ عليها، واستمرار وجودها بشكل دائمٍ في مختلفِ المجالات الحياتية.
"في قرية الهاشمية ما زال تحضير ثمار أشجار الخروب حياً في عقول سكانها وقلوبهم".
في بداية شهر تشرين الأول من كل عام وبقدومك إلى قرية الهاشمية تستنشق رائحة الرُب التي تنبعث من جميع أنحاء القرية, وهي من العادات المشهورة في القرية".
طهي الخروب بهدف التجارة, حيث يقوموا بطحن الخروب بمطحنه خاصة له, ومن ثم يغرقونه بالماء لمدة 24 ساعة, وهذا عمل متعب جداَ, لكنهم يتحدوا به التعب الذي يخط نفسه على جبينهم, فيمارسون طهي الخروب بكل خطواته الصعبة, في سبيل معيشة يتمنوا أن تكون كريمة, ويعيدوا للتاريخ بصمة.