مؤيد بشارات - هذا العام الاستثنائي الذي مضت منه ستة شهور كانت الأصعب على العالم بشكل عام وعلى الفلسطينيين بشكل خاص، نتيجة جائحة كورونا التي عطلت الحياة الاقتصادية وزادت الأوضاع هشاشة نتيجة اغلاق الأسواق العالمية وضعف القدرة الشرائية للمستهلكين. كان للمزارعين والفلاحين وصغار المنتجين الحظ الأسوأ من هذه الجائحة التي تزامنت مع خطة الضم الصهيو-أمريكية لثلاثين في المئة من مساحة الضفة الغربية بما فيها كامل الأغوار الفلسطينية التي باتت آثارها تظهر بالأفق من ازدياد وتسارع في وتيرة اعتداءات وإجراءات الاحتلال في المنطقة والتي بدورها فاقمت من سوء معيشة المزارعين هناك وأوضاعهم الاقتصادية.
يشكل قطاع النخيل العمود الأساسي للصادرات الزراعية في فلسطين، حيث شكل ما نسبته 50% من الصادرات للعام 2019، هذا القطاع الذي تربع على عرش الزراعات الفلسطينية في الأغوار من حيث المساحات واستهلاك كميات المياه واستيعاب العمالة الزراعية. حيث تقدر المساحة المزروعة في الأغوار الفلسطينية بأشجار النخيل بـحوالي 24 ألف دونماً في نهاية عام 2019 من إجمالي 55 ألف دونم من الأراضي التي يستغلها الفلسطينيون في الأغوار، في الوقت الذي قدرت فيه أعداد أشجار النخيل حسب إحصائيات وزارة الزراعة حتى نهاية العام 2019 بحوالي 300 ألف شجرة، وكمية الإنتاج من التمور الفلسطينية الخالصة حتى العام 2019 حوالي 11 ألف طن.
تستهلك السوق المحلية الفلسطينية ما كميته 6000 طن من التمور في الضفة الغربية وقطاع غزة سنوياً حسب إحصائيات وزارة الزراعة الفلسطينية؛ أي أن ما نسبته 60% من الإنتاج الفلسطيني من التمور يذهب إلى السوق المحلي، وفقط 40% من الإنتاج يتم تصديره من صنف المجول (المجهول) الفلسطيني، حيث يقدر استهلاك الفرد سنوياً حوالي 900 غرام تمر.
وقد استثمرت الشركات الفلسطينية في قطاع نخيل التمر منذ أكثر من عشر سنوات حيث قدر حجم الاستثمار ب 200 مليون دولار تشمل البنى التحتية وآبار المياه والأراضي الزراعية والمصروفات التشغيلية لتخزين وحفظ التمور. وتعمل هذه الشركات في تدريج التمور وتخزينها لأغراض التصدير، فقد قدر التصدير للعام 2019 ب 3500 طن تم تسويقها إلى أكثر من 25 دولة حول العالم.
ففي الأغوار الفلسطينية وخاصة المناطق الممتدة من مدينة أريحا حتى قرية مرج نعجة، ينتظر الفلسطينيون كل عام موسم التمور لتغطية نفقات زراعتهم وليحسنوا من دخلهم الذي بات مهدداً بفعل استغلال التجار وجشعهم، هذا التهديد الذي كان موجوداً قبل أزمة كورونا، ففي مثل هذا الموعد من كل عام (في شهر تموز) يندفع التجار لتقدير إنتاج المزارعين وخاصة صغار المنتجين منهم لضمان إنتاجهم وشراءه بالبيع الآجل – أي يشتري التجار أو الشركات التسويقية التمر من المزارعين بحيث تكون نسبة 20 الى 30% من قيمة البيع يتم دفعها خلال الأربع شهور الأولى التي تلي موسم القطاف، وفيما تدفع النسبة المتبقية موزعة على شكل شيكات من التجار بعضها يصرف بالتزامن مع الموسم الذي يليه – وهذا يؤثر على صغار المنتجين الذين يحتاجون السيولة النقدية لدفع مستلزمات الإنتاج ولإغلاق الديون التي تتراكم عليهم سنوياً، فيما يلي يمكن تلخيص أهم المشاكل التي يعاني منها منتجي التمر هذا العام:
الاحتكار والاستغلال
وهي تعتبر أهم المشاكل التي تواجه مزارعي النخيل من ذوي الحيازات الصغيرة، فمن المعروف أن مصانع النخيل يمتلكها رجال الأعمال الذين يمتلكون حيازات واسعة وكبيرة من نخيل التمر. ومن المتعارف أن بداية جني محصول التمر تبدأ نهاية شهر أيلول إلى منتصف شهر أكتوبر من كل عام، لكن قبل عملية جني المحصول يجتمع جميع ممثلي المصانع في منطقة الأغوار ليتم الاتفاق فيما بينهم حول تسعيرة موحدة لجميع التمور التي سيتم شراؤها من صغار المنتجين، وخلال العشر سنوات الأخيرة لم يتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد الذي يبيعه المزارع إلى المصنع 15 شيقل – وتتراوح حسب صنف التمر من 7 شيقل الى 15 شيقل للكغم - وبعد أن يشتري المصنع التمور من المزارع بالسعر الذي تم تحديده مسبقاً يقوم بفرزه وتعبئته وتسويقه للخارج. وللعلم فإن جميع عمليات التعبئة والتغليف لا تكلف المصنع 5 شيقل لكل كيلو تمر، ليبيعها فيما بعد بضعفي السعر الذي تم شراؤه من المزارع، على سبيل المثال: إذا تم شراء كيلو التمر من المزارع ب 13 شيكل يقوم المصنع بتعبئتها وبيعها ب 35 شيقل للسوق المحلي وقد تصل الى 18 دولار للكيلو الواحد للأسواق الخارجية.
عدم توفر وسائل لتخزين وحفظ التمر على مدار العام
من المتعارف عليه أن التمر يدخل في جميع المناسبات الممتدة على مدار العام. فبعد 60 يوماً من قطف التمر يرتفع سعر الكيلو من التمر في السوق المحلي إلى الضعف وذلك لزيادة الطلب عليه وخاصة في المناسبات الدينية مثل شهر رمضان وموسم الحج. لذلك تعتبر هذه فرصة لمزارعي التمر الذين يمتلكون ثلاجات ويحفظون كمية بسيطة من التمر في الثلاجات. إلا أن غالبية صغار المنتجين لا يمتلكون ثلاجات خاصة بهم أو لمجموعة منهم ما يوقعهم في شبك التجار، حيث يتم استغلالهم ليدفع لهم أقل سعر ما يضطر المزارعين إلى الموافقة في النهاية حتى لا يخسروا كامل محصولهم.
جائحة كورونا (كوفيد 19)
بعد انتشار هذا الفيروس في جميع أنحاء العالم، وشل الحركة التجارية العالمية، لم تبدأ المصانع ولا التجار في عملية فحص منتج التمر وحجزه ودفع عربون للمزارع لحين قطفه، مع العلم أن عملية الحجز ودفع العربون تبدأ نهاية شهر تموز من كل عام، وعليه تم الاتفاق هذه السنة بين المصانع على أخذ التمور من المزارع من دون دفع العربون ولن يتم الدفع إلى حين يتم بيع آخر كيلو تمر من محصول المزارع من خلال التجار والشركات.
من جهة أخرى أثرت جائحة كورونا على التجار والشركات من حيث قدرتهم على دفع مستحقات المزارعين للعام الماضي، حيث العديد من الشركات لم تحول مبالغ مالية عالية لها من قبل الشركات المستوردة للتمور الفلسطينية حول العالم نتيجة الكساد الاقتصادي العالمي وإغلاق الأسواق في العديد من دول العالم.
تمور المستوطنات والمنافسة في الأسواق العالمية
على الرغم من سيطرة الاحتلال على 87% من الموارد المائية في الأغوار وعلى 45 % من مجمل المساحة لصالح 38 مستوطنة إسرائيلية مقامة على أراضي الفلسطينيين هناك، إلا أن الاحتلال لا يكتفي بسرقة الموارد الطبيعية من أرض ومياه، بل ينافس الفلسطينيين في الأسواق العالمية، حيث أعلنت العديد من الشركات الإسرائيلية خاصة في السوق الأوروبي والتركي بتخفيض سعر كيلو التمر المجول بنحو 6 شيقل وهذا بدوره يجعل من الصعوبة على الشركات الفلسطينية منافسة منتجات الاحتلال الزراعية دولياً.
هذا بالرغم من اعتراف معظم الدول وحسب المواثيق الدولية أن منتجات التمور الإسرائيلية هي منتجات مستوطنات غير شرعية أقيمت خلافاً للقانون الدولي. ومن جهة أخرى فإن تكلفة إنتاج التمور الفلسطينية تقارب ضعف تكلفة إنتاج تمور المستوطنات الإسرائيلية، كذلك فإن تكلفة نقل منتجات التمور لتصديرها تزيد بنسبة 30% عن تكلفة نقل وتصدير منتجات المستوطنات الإسرائيلية.
وعلى الرغم من وجود قانون فلسطيني يجرِّم الاتجار بمنتجات المستوطنات الإسرائيلية إلا أن بعض النفوس المريضة ما زالت تسول لها نفسها بتبييض تمور المستوطنات لتسويقها محلياً وهذا عامل إضافي لضرب اقتصاد صغار منتجي التمور على وجه الخصوص، ووفقاَ للقرار بقانون رقم (4) لسنة 2010، بشأن حظر ومكافحة منتجات المستوطنات، فإن المادة الرابعة من القرار تنص على أنه “1. تعتبر كافة منتجات المستوطنات سلعاً غير شرعية وتحدد بموجب قائمة تصدر بقرار من المجلس. 2. يحظر على أي شخص تداول منتجات وخدمات المستوطنات. يحظر على أي شخص تقديم سلعة أو خدمة للمستوطنات”.
وينص البند الأول من المادة رقم (14) من ذات القانون على “الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد عن خمس سنوات، وغرامة مالية لا تقل عن عشرة آلاف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً أو إحدى هاتين العقوبتين، كل من تداول منتجات المستوطنات، وكل من شارك أو أسهم في تداولها أو ورَد سلعة أو خدمة للمستوطنات”.
وبناء على ما سبق من سرد للمشاكل التي تواجه صغار منتجي التمور في الأغوار، فإن اتحاد لجان العمل الزراعي يوصي بضرورة إسنادهم من خلال، أولاً تحديد السعر الذي يجب أن يحصل عليه المزارع ب 15 – 20 شيكل لكل كغم وأن يكون هناك لجان رقابية حكومية وأهلية لمراقبة التزام التجار والشركات بهذه الأسعار. ثانياً توفير وسائل لتخزين وحفظ التمور الفلسطينية وخاصة لصغار المنتجين، من خلال بناء ثلاجات وبيوت تعبئة توفر لهم القدرة على تخزين إنتاجهم بدءاً من هذا العام لكي يتمكنوا من الحصول على الأسعار التي تناسبهم. ثالثاً أن تقف الحكومة الفلسطينية ووزارة الزراعة الفلسطينية عند مسؤولياتها بتطبيق القرارات بقانون التي تجرم تسويق منتجات المستوطنات خاصة التمور، لتمكن المزارعين من تسويق منتجاتهم وحماية المنتج الوطني من المنافسة غير المتكافئة مع منتج المستوطنات الإسرائيلية. رابعاً إجراء تسهيلات مالية ومصرفية من خلال سلطة النقد الفلسطينية وشبكة البنوك للتجار والشركات لتزويدها بالسيولة النقدية اللازمة لتمكنها من دفع التزاماتها المالية تجاه منتجي التمر بشكل عام وصغار المنتجين بشكل خاص. خامساً تنفيذ حملات تسويق جماعية من صغار المنتجين مباشرة مع المستهلكين لتسويق إنتاجهم وحمايتهم من استغلال التجار.