رامي مهداوي
2020-07-25
خلال الأسبوع الماضي كان هناك ثلاثة مشاهد مؤلمة على صعيد ما تتعرض له الهوية الفلسطينية من ضربات متنوعة من أجل تحطيم مُكونات الثقافة الفلسطينية بما تحتويه من عناصر وأدوات ومضامين بانورامية، تفاعل معها المجتمع الافتراضي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بشكل بسيط وكالعادة دون تحقيق إنجازات تعالج أو/ وتستخلص العبر من أجل مواجهة عملية السطو والطمس لهويتنا.
قوات الاحتلال تسرق جرن العماد الوردي في بلدة تقوع بمحافظة بيت لحم والذي يعود تاريخه إلى الفترة البيزنطية أي ما يقارب ألفي عام، قوات الاحتلال تعتقل سهيل خوري المدير العام لمعهد إدوارد سعيد ومديرة عام مركز يبوس الثقافي الصديقة رانيا إلياس وتُخلي سبيلهما بعد ان حققت معهما في مستوطنة «هارحوماه» في جبل المكبر في القدس المحتلة وبعد تفتيش المعهد والمركز ومصادرة العديد من الملفات المتنوعة، أما المشهد الأخير فهو الهجوم بالاعتداء اللفظي والمعنوي ــــ على شكل إهانات وتحرش إلكتروني ـــ على الفنانة المسرحية الصديقة أميرة حبش كغيرها من الفنانات الفلسطينيات اللواتي يتعرضن للعنف اللفظي والمعنوي بشكل ملحوظ.
المشاهد السابقة تتحدث عن ذاتها ولن أخوض بتفاصيل وتحليلات ودهاليز الحدث، بالمقابل يجب أن يتم وضع العديد من الأسئلة والاستفسارات على طاولة المسؤول، كلٌ حسب اختصاصه ومسؤولياته، ليس من أجل الإجابة عنها من باب رفع العتب أو الإجابة عنها من زاوية نرجسية المُثقف والمسؤول:
من يتحمل مسؤولية إهمال هذه القطعة الأثرية؟ هل تمت المُساءلة والمحاسبة؟ هل هناك خفافيش ساعدت بعملية السرقة وتسهيل المهمة؟ ما هي الخطوات التي سيتم تنفيذها من أجل حماية الآثار المهملة؟ إذا كان صراعنا مع المحتل هو صراع الوجود والبقاء بالتالي مثل هذا الإهمال الوطني يجب ألا يُستهان به ونبرر بأن الاحتلال يسرق آلاف الدونمات يومياً لأن هذا يُعتبر عذرا أقبح من ذنب!!
حماية القدس والهوية تأتي بحماية الفرد والمؤسسة؛ فهل قامت جهات الاختصاص ـــ وما أكثر هذه الجهات التي تحمل راية القدس ــــ بما عليها من مسؤوليات وواجبات تجاه المؤسسات التي تتعرض في الآونة الأخيرة لسلسلة هجمات ممنهجة من قبل الاحتلال، هنا لا أتحدث فقط عن المركز والمعهد وإنما جميع المؤسسات الصامدة والمتبقية، ولا أتحدث فقط عن رانيا وسهيل فهما جزء من كل، بالتالي على صانع القرار أن يقوم بإعادة ترتيب قادة الشارع المقدسي بمختلف أماكن تواجدهم من المستشفى الى المسرح من خلال بناء الثقة المفقودة ـــــ والتي يُشبهها البعض بالاغتراب ــــ من خلال وضع خطط منهجية قابلة للتطبيق وليس إطلاق شعارات إعلانية دون جدوى.
«أعطني خبزاً ومسرحاً أعطك شعباً مثقفاً» لكن هناك من يريد بأن يجعل منّا شعبا بلا هوية من خلال قتل الفنان قبل صعوده على خشبة المسرح، ما تعرضت له الفنانة أميرة هو ليس حدثا عابرا حسب وجهة نظري، بقدر ما هو عملية ممنهجة من الذُباب الإلكتروني الذي يستهدف كل ما هو ناجح بالتالي يخدم تمزيق أي خيط يساهم بنسج الرواية الفلسطينية، لهذا الحملات الشرسة التي يتعرض لها الفنان/ة الفلسطيني/ة ليس المقصود به ذاته بقدر ما هو مقصود تدمير كل المجتمع بإفقاده الوعي والمعرفة.
الجرن، المؤسسة، الفنان/ة ثالوث ليس مصادفة يتم ضربه بفترة محددة، والأخطر من هذا ألا تتم مساءلة ومحاسبة كل من يثبت تقصيره وتورطه، الإهمال بحد ذاته جريمة، فما بالكم إذا كان هذا الإهمال يضرب هوية الكينونة الفلسطينية وديمومة الشعب الذي قدم الروح والدم من أجل حماية جذوره بالبقاء من أجل أن يكون عبرة لمن لا يعتبر!!؟