افتتحت اليوم عملية تجميع مكونات المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي، حيث تبدأ عملية تجميع هذه المكونات لأكبر مشروع علمي دولي لتوليد الطاقة الاندماجية من الشمس.
العالم - منوعات
وكانت المكونات الضخمة للمفاعل قد وصلت إلى فرنسا على مدار الشهرين الماضيين. وتعد الطاقة الاندماجية مستقبل الطاقة الخالية من الكربون، الوفيرة والآمنة والاقتصادية. وقد شارك في المشروع الضخم كل من الاتحاد الأوروبي وفرنسا والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وروسيا والولايات المتحدة.
وأعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وقادة الدول المشاركة في المشروع عن بدء عصر جديد للطاقة مع الانطلاق الرسمي لتجميع أكبر جهاز اندماج في العالم ITER (International Thermonuclear Experimental Reactor) في جنوب فرنسا.
وإلى جانب توفير الطاقة الاندماجية لطاقة نظيفة ومن دون انبعاثات كربونية، هناك الانصهار الآمن مع كميات دقيقة من الوقود، ليس فيها أدنى احتمال فيزيائي لحدوث أي تسرب حتى في ظروف انهيار المفاعل.
وقد تم العثور على وقود الاندماج في مياه البحر والليثيوم، وهي وفيرة لتزويد البشرية لملايين السنين، حيث يولد حجم ثمرة أناناس من هذا الوقود طاقة تساوي ما يولده 10 آلاف طن من الفحم.
ومن المتوقع أن تكون كلفة بناء وتشغيل محطة الانصهار مماثلة لتكلفة محطة الانشطار النووي، ولكن من دون التكاليف الكبيرة والإرث طويل المدى للتخلص من النفايات النووية، وعند الانتهاء من بناء المفاعل، وعقب إثبات إمكانية توليد طاقة الاندماج بشكل مستدام، سوف تطلق مشروعات مماثلة على نطاق تجاري.
ويجتمع حول هذا المشروع العملاق دول تمثل 50% من سكان الأرض، و80% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم، ووضعوا خبراتهم ومواردهم سويا لبناء أول جهاز اندماج بحثي على نطاق صناعي على أرض فرنسا.
وكانت المكونات التي تزن في كثير من الحالات مئات الأطنان، وتبلغ أبعادها عشرات الأمتار تصل تباعا إلى فرنسا تمهيدا لافتتاح عملية التركيب التي تبدأ اليوم، ومن المزمع أن تنتج المحطة في ITER حوالي 500 ميغاوات من الطاقة الحرارية، وهو ما يعني توفير 200 ميغاوات إذا ما تم توصيل هذه المحطة بالشبكة الكهربائية، بحيث يكفي لاستهلاك 200 ألف منزل.
وسوف يتم كذلك تصميم مصنع للاندماج الحراري بغرفة بلازما أكبر قليلا، بطاقة كهربائية من 10 إلى 15 مرة أكبر من المفاعل الحالي، وهو ما يمكن ترجمته إلى طاقة تعادل 2000 ميغاوات من الكهرباء، لتغذية مليوني منزل.
يتوقع الخبراء أن تسهم الطاقة الجديدة في توسيع استخدام هذا النوع من الكهرباء بشكل كبير، للحد من انبعاثات الغازات المضرة بالبيئة من وسائل النقل والمصانع، وهو ما يمكن أن يمثل "معجزة لكوكبنا" في رأي الكثير من الخبراء.
تتلخص فكرة عمل المفاعل الاندماجي في حقن بضعة غرامات من غاز الديوتيريوم والتريتيوم (الهيدروجين) في غرفة ضخمة على شكل كعكة، تسمى توكوماك. يتم تسخين الهيدروجين حتى يصبح بلازما مؤينة تشبه السحابة، تتشكل البلازما وتتحكم فيها 10 آلاف طن من المغناطيسات فائقة التوصيل. ويحدث الانصهار حينما تصل البلازما إلى 150 مليون درجة مئوية، وهي أكثر حرارة بعشر مرات من قلب الشمس.
في تفاعل الاندماج، تتحول كمية صغيرة من الكتلة إلى كمية هائلة من الطاقة، وتهرب النيوترونات فائقة الطاقة من القفص المغناطيسي، وتنقل الطاقة كحرارة. تمتص المياه المتداولة في جدران التوكوماك الحرارة المنبعثة وتصنع البخار، الذي يولد الكهرباء من خلال توربينات.
ويساهم الاتحاد الأوروبي تقريبا بنصف تكلفة المشروع، بوصفه الجهة المضيفة للمفاعل، بينما تشارك بقية الدول بنسب متساوية من النصف الآخر للتكلفة، حيث لا تقتصر أهداف المشروع فقط على إنشاء جهاز الانصهار النووي، ولكن، وعلى نطاق واسع، تهتم الدول ببناء القدرات التقنية والتنظيمية واللوجستية والمهارات والأدوات وسلاسل التوريد والثقافة اللازمة لإدارة مثل هذه المشاريع الضخمة بين الدول المشاركة، لتحفيز إطلاق مشاريع محلية مشابهة في المستقبل.
ومن المتوقع أن تبدأ تجارب البلازما الأولية عام 2025، على أن تبدأ تجارب اندماج الديوتيريوم والتريتيوم الكاملة بدءا من عام 2035. وإذا أصبح المفاعل جاهزا للعمل، فنحن نتحدث عن أكبر تجربة فيزياء البلازما المغناطيسية المحصورة مع حجم بلازما يبلغ 840 مترا مكعبا، متجاوزة المفاعل الأوروبي المشترك توروس Joint European Torus بـ 8 أضعاف.
ويذكر أن فكرة التوكوماك قد ظهرت للمرة الأولى من قبل العالمين السوفيتيين إيغور تام وأندريه ساخاروف، خمسينيات القرن الماضي، بينما نسبت أول محطة توكوماك عاملة T-1 إلى العالم ناتان يافلينسكي قبلهما، وهو من برهن على أن استقرارية البلازما المتوازنة تتطلب خطوط مجال مغناطيسي تلف حول الطارة بشكل لولبي، وبدأت أول محطة توكوماك في العمل عام 1958.