عبد الستار قاسم
دول فقيرة كثيرة تدهورت أوضاعها وأحوالها الاقتصادية مع جائحة كورونا وما رافقها من إغلاق وتعطيل للمصالح الاقتصادية. هذه دول تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة وقاسية على مدى السنوات، وما صنعته كورونا هو أنها فاقمت الأزمة الاقتصادية والحياة المعيشية الصعبة للناس. لم ينج الوطن العربي من هذه الضائقة الاقتصادية الجديدة. أغلب البلدان العربية بما فيها الدول النفطية باتت تعاني من أزمة ترمي بثقلها على مداخيل الناس ومستوى معيشتهم. وقد تفاقمت أزمة الفقر في بلداننا العربية، وعشرات ملايين الناس دخلت في الأشهر الأخيرة تحت تصنيف الفقراء. وملايين أيضا دخلوا تحت تصنيف الجوعى. لا الحكومة قادرة على تعويض الناس عن الخسائر أو تقديم الدعم المالي والغذائي لهم، ولا هم يملكون الإمكانات للاعتماد على الذات وتدبير الأمور بطريقة توفر على الأقل لقمة الخبز للأطفال. والدول الأفريقية والآسيوية واللاتينية التي تشابه الوضع العربي كثيرة.
هناك نداءات استغاثة من العديد من الدول التي تمد يدها متسولة الآن من الدول الثرية ومن الوكالات الدولية الخاصة بالإغاثات الغذائية. وتبا ثم تبا للدولة التي يبلغ عمرها أكثر من خمسين عاما لا تملك في مخازنها ما يسد رمق الناس في الظروف الطارئة. دول فقيرة بائسة ضعيفة التخطيط وحكامها لا يهتمون بمستقبل شعوبهم تاركينهم هائمين على وجوههم يستجدون.
فإذا أرادت حكومات الخروج من المآزق الاقتصادية والمعيشية ما عليها إلا تبني الخطوات التالية:
أولا: يجب وضع استراتيجية لمكافحة الفساد الذي يمارسه الحكام وكبار الأثرياء والمتنفذين في الدولة. تعاني الدول الفقيرة بشدة من الفساد والفاسدين الذين يبددون على الأقل ثلث ميزانية الدولة كنفقات على شهواتهم وجمع أكبر كمية من المال والممتلكات لصالح أبنائهم وأبناء أبنائهم. حكام الدول الفقيرة مجرمون ولا يحرمون أو يحللون، وهم لا يكتفون برواتبهم العالية، وإنما يعملون على الاستحواذ وتلقي الرشى والعمولات، وسن القوانين لصالح المتنفذين اقتصاديا واللصوص والنصابين. هؤلاء يرون شعوبهم تعاني من ضيق المعيشة وشح الحال الاقتصادية ولا يبالون، ولا يكترثون، ويستمرون في إلقاء الخطابات الكاذبة حول مشاريعهم الاقتصادية التي تدر لبنا وعسلا. والشعب في النهاية لا يرى لبنا ولا عسلا، ولا يرى إلا مصائب تقع على رأسه. فمن كان جادا في معالجة الأوضاع، عليه أن يضع استراتيجية لمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين دون مراعاة لصداقة أو قرابة أو تنظيم. وأسوق هنا الأردن ولبنان كمثلين بارزين على الفساد والإفساد. هم يتحدثون ضد الفساد لكنهم لا يصنعون شيئا. والسبب واضح وهو أن المتنفذين الذين تقع عليهم مسؤولية محاربة الفساد هم رأس الفساد والإفساد.
ثانيا: على الدول الفقيرة أن تتجه نحو الإنتاج وتشجع المنتجين من فلاحين وحرفيين وخدام سياحيين وعمال. في كل المجتمعات، تتوفر قوى إنتاجية هائلة وقادرة ولكنها تحتاج إلى الرعاية والتشجيع. دعم الفلاحين يأخذ الأولوية لأنهم هم الذين ينتجون لقمة العيش للناس. هم الذين يقدمون القمح والشعير والبرسيم، وهم الذين يربون المواشي والدجاج ويقدمون البيض واللحوم والألبان، وهم الذين ينتجون الفواكه والخضروات، وهم الذين يحافظون على سيادة البلاد ويبقون رأس الشعب مرفوعا بين الأمم. ثم يأتي الحرفيون الذين يختصون بالمفروشات وأدوات المنازل وما شابه ذلك، والقطاع السياحي الذي يجذب العملة الصعبة للبلاد. وحيثما تواجد قطاع إنتاجي فإن من واجب الدولة تقديم الدعم اللازم له.
ودعم الإنتاج لا يتغذى على ميزانية الدولة لأن المزيد من الإنتاج يعني المزيد من التصدير خارج البلاد وتنمية الاحتياطات النقدية، ويعني أيضا ارتفاع منسوب الضرائب التي تجنيها الدولة ويوفر لها النقد المحلي اللازم للنفقات الجارية مثل الرواتب. أغلب الدول الفقيرة لا تدعم المنتجين، لكنها تفرض على الناس ضرائب باهظة، وهي بذلك تعطل الإنتاج وتدفع الناس نحو التمرد والثورة. سياسات هذه الدول خطيرة على كل عناصر المجتمع.
ثالثا: من المهم جدا اعتماد استراتيجية الاعتماد على الذات. حكومات الدول الفقيرة فاسدة، لكن الناس أيضا كسالى ولا يرغبون بالنشاط والعمل المنتج. اعتادت شعوب كثيرة التسول، وهي تنتظر الهبات والمنح من الدول الأخرى التي تفرض شروطها مقابل عطائها. الاعتماد على الذات يرفع من مستوى الإنتاج، ويصون سيادة الدولة، ويضعها في سلم الدول القادرة وليس الفاشلة.
وفي هذا الصدد، يجب الابتعاد عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لأنهما أداتان استعماريتان متخصصتان بإفقار الأمم لكي تبقى تحت سيطرة الدول الاستعمارية. لم يدخل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي دولة إلا تضورت جوعا وتعرضت سيادتها للانتهاكات المتواصلة. وهاتان الأداتان تصنعان طبقية مرعبة في المجتمع. تتركز الثروة بأيدي قليل من الناس، وعلى الجمهور الأوسع أن يعاني الفقر والمجاعة.