حاورت "وكالة سند للأنباء" الخبير الاقتصادي البارز في لبنان، محمد حيدر، ليوضح الخسائر الاقتصادية الناجمة عن حادثة انفجار مرفأ بيروت، الثلاثاء الماضي، وأثره على وضع لبنان مستقبلاً.
ويؤكد حيدر أهمية المرفأ، والذي يعدّ أكبر مرفأ في إعادة التصدير على البحر المتوسط، وأهمها عربياً وكذلك في حوض البحر المتوسط.
ويعد المرفأ أحد أهم المرافق الاقتصادية والمالية للبنان، والشريان الأساسي للتجارة فيها وعدد من الدول العربيةـ إذ يتم إعادة التصدير من المرفأ إليها.
زادت أهمية المرفأ بعد الحرب الأهلية في عملية إعادة الاعمار وازدياد حركة الاستيراد والتصدير، فقد ارتفع الطلب على السلع والمواد الأولية المهمة في إعادة الإعمار، بحسب حيدر.
ويلفت إلى أن المرفأ زود بتوسيعات طالت مرافق مهمة لتزيد من قدرته على المناولة واستقبال أكبر كميات من البضائع والمستودعات.
خسائر مباشرة
ويقول حيدر إن ما أصاب مرفأ لبنان من تدمير، قد أصاب مقتلاً في الاقتصاد اللبناني والأمن الغذائي وقطاعات الاعمال بشكل عام.
ويبين أن هذا المرفأ يستقبل أكثر من 80% من حجم الواردات إلى لبنان، ويعيد تصدير كميات هائلة أيضا من البضائع، لذلك يعد تدمير المرفأ بهذا الشكل أمر محزن للغاية ومقلق بالنسبة لمستقبل لبنان.
ويوضح أن الخسائر المباشرة التي نجمت عن الانفجار، أدّت لتدمير البنية التحتية للمرفأ، وهذا يشمل الأرصفة والأرضية والأبنية وكل مستلزماتها.
وأدّى الانفجار إلى تدمير التجهيزات من المستلزمات سواء كانت من الأبنية أو محتوياتها وأثاثها، والأنظمة المشغلة لها من تجهيزات كهربائية ومائية وأنظمة إلكترونية وهواتف، إضافة إلى كل ما يتعلق بالتجهيز لجعل هذه المكاتب صالحة للعمل.
وتسبب كذلك في تدمير أبنية التخزين والعنابر ومستلزمات تشغيلها، خصوصا إهراءات القمح التي تشكل الخزان الأساسي لنقل القمح إلى لبنان، حيث يؤمن المرفأ حوالي 80% من احتياجات لبنان من القمح ومعظمه يستورد من روسيا.
وتستوعب خزانات القمح طاقة تفوق 120 ألف طن، موزعة على 48 حجرة، بسعة 2500 طن الواحدة، إضافة إلى حوالي 50 حجرة بطاقة 500 طن الواحدة، إضافة إلى شفاطات كهربائية للتعبئة بقدرة 600 طن في الساعة، وفقا لحيدر.
ويضم المرفأ أيضاً حوالي 40 هنغار للتخزين، تتوزع على أرضيته في عدة نواحي لغايات التخزين، وإعادة الشحن.
ومن الخسائر المباشرة من الانفجار تدمير الرافعات وتجهيزاتها، منها الثابت أو المتحرك الموجود على آليات.
ومن المعدات التي من الممكن أن تكون أصيبت بالضرر، الرافعات الآلية المتحركة، حيث يوجد في المرفأ 17 رافعة متحركة للبضائع، و60 رافعة متوسطة الحجم فوركليفت، وحوالي 19 رافعة للمستوعبات، كما يشير حيدر.
ويبين أن الدولة اللبنانية ستخسر مباشرة من توقف مرفأ بيروت، حرمانها من حوالي 2.5 مليار دولار سنوياً، يصل منها لخزينة الدولة نحو 1.5 مليار، ويتم التهرب الضريبي منه بحوالي 1.5 مليار دولار سنويا، أو يتسرب إلى الفاسدين عن طريق تهريب البضائع وعدم دفع جماركها، أو خفض القيمة الجمركية للسلع.
وستتعطل أعمال حوالي 44 شركة شحن مرخص لها بالعمل في المرفأ لتخليص البضائع أو لغايات أخرى للاستيراد والتصدير والتخليص الجمركي للعملاء.
ويتوقع أن مجموع العاملين في هذه الشركات، لا يقل عن 500 شخص على الأقل، بحسب حيدر.
ويشير إلى أنه يعمل في المرفأ بشكل رسمي أيضا حوالي 639 موظف في مختلف القطاعات والإدارة المتعلقة بتسيير عمل المرفأ.
ومن حيث الطاقة التي يعمل بها المرفأ، أصبحت متوقفة حالياً، وعدم قدرة المرفأ على استيعاب أكثر من 3600 سفينة سنويا تقدر حمولتها بنحو 1.2 مليون مستوعب، تشكل في مجملها من حيث القيمة التجارية أو القيمة الاقتصادية نحو 23% من ‘جمالي الدخل القومي في لبنان، وتقدر قيمة الواردات اللبناني حوالي 21 مليار دولار وحوالي 3.6 من الصادرات، كما يقول حيدر.
ويضيف: "يمثل بشكل عام تطور عمل المرفأ قياساً مع المرافىء العالمية بنمو يساوي 1.7% من حجم تناول البضائع أو التجارة المتداولة من خلاله، مقارنة مع 3.5% عالمياً".
خسائر غير مباشرة
أمّا الخسائر غير المباشرة في المرفأ، فتتمثل في توقف شركات الشحن عن العمل وشركات تخليص البضائع، والدخل المتوقع منها، فيما سينحرم معظم موظفيها من دخلهم أو تراجع دخلهم خلال فترة إغلاق المرفأ، إضافة إلى احتمال توقف أعمال الشركات التي توظفهم.
ويبين أنه من الخسائر المتوقعة أيضا خسائر التجار بالجملة وتجار المفرق، حيث سيتوقف عمل المرفأ، مما سيحرمهم من الحصول على بضائع كانوا يتوقعون وصولها إلى محلاتهم.
ويقول حيدر: "بالتالي على التجار أن يجدوا فرص بضائع من مصادر أخرى، إما سوريا أو تركيا أو قبرص واليونان، كونهم أقرب إلى لبنان لوجستيا".
ومن الخسائر الكبرى بالمرفأ حجم الدمار الذي طاله التفجير، وقد امتد تأثيره إلى نصف مساحة بيروت على الأقل.
وبحسب المشاهدات العينية والصور المتداولة فإن الأبنية المتواجدة في قطر كلم يعتبر الضرر بالغاً، كونه أصابها بخلل هيكلي أو تدمير كامل في بعض المناطق القريبة من مكان الانفجار.
ويشير إلى أن الانفجار طال الكثير من الشقق والبيوت السكنية والمكاتب خصوصا في محيط المرفأ، حيث تنشط المكاتب والمحال التجارية التي تمد هذا المحيط بالخدمات كالمطاعم والتجهيزات المكتبية ومكاتب الخدمات الصغيرة من طباعة وترجمة والتصديق على شهادات، أو تقارير فنية تخمينية، والكثير من هذه الخدمات المتعلقة بطبيعة الإجراءات الجمركية بشكل عام.
ويمتد الضرر إلى الحلقة الثانية والثالثة، وتبعد ما بين 2 إلى 4 كلم تقريبا، والتي شهدت أضرارا بالغة في تجهيزات المباني ومفروشاتها الخارجية وتحطيم للنوافذ والأبواب، إضافة إلى السيارات وغيرها، كما يوضح حيدر.
ويؤكد حيدر أن الضرر بالغ وليس من السهل حصره أو معرفة حجمه الحقيقي، إلا بعد أن تقوم فرق متخصصة في تقييم الأضرار، وهذا يحتاج لإمكانيات ووقت يمكن أن يتجاوز ثلاث شهور على الأقل، للخروج بتقديرات أولية بعد تواجد الخبراء المعنيين من أصحاب الاختصاص بالقطاعات المتضررة.
أزمة الدولار
في ضوء ذلك، عرّج حيدر على أزمة ارتفاع الدولار، وعمق الأزمة منذ بدأت "عملية الدولرة" أي "استبدال العملة المحلية بالدولار"، منتصف أيام الحرب الأهلية.
ويوضح أن تدهور سعر الليرة اللبنانية وارتفاع سعر الدولار يعود لأسباب عدة، أبرزها مرتبط بالظرف الداخلي المتصل بالاقتصاد اللبناني والمصارف بشكل محدد.
وينوه حيدر لوجود أسباب خارجية يتحمل مسؤوليتها كل من يتعرض لأمن لبنان ويوجه تهديدات له من حين إلى آخر، ومن بين هذه الدول أمريكا التي تفرض عقوبات على لبنان بحجة المقاومة وسلاحها، خوفا على أمن إسرائيل وحدودها مع لبنان وسوريا.
ويلفت إلى أنه في العامين الماضيين لم يكن يخشى أي اقتصادي أو محلل مالي من أي تدهور يمكن أن يطال الليرة اللبنانيةـ خاصة في تلك الظروف، إذ عد البعض أن ما يمر به لبنان هو أزمة عابرة ويمكن التخلص منها بكل سهولة مع مرور الزمن.
ويستدرك بالقول: "إلا أن تصرف بعض البنوك اللبنانية إزاء بعض النسيج السياسي الذي قد لا يتلائم معه سياسيا، مما ساعد أن يكون آلة تعطيل لكثير من العمليات الاقتصادية والإنتاجية، إضافة إلى إغلاق حسابات تعود إلى شخصيات سياسية محسوبة على المقاومة بشكل عام".
ويضيف حيدر: "هددت الولايات المتحدة الاميركية عدد من البنوك اللبنانية، ملوحة لها بوضع اليد على أصولها وحساباتها وتجميدها ومعاقبتهم قضائيا، لارتكابهم جرم مخالفة قوانين الحظر الاقتصادي على بلدان لها علاقة بدول عليها حصار اقتصادي كإيران والعراق وروسيا".
وبعد نزول الشارع اللبناني في محاولة منه على اعتراض ما يجري من فساد في الحكومة وترهل في الأداء لمكافحة الفساد، بدأت الثقة تتزعزع بالاقتصاد اللبناني بسبب المخاطر التي بدات تظهر نتيجة استمرار الاعتصامات والاشتباكات بين المتظاهرين ورجال الأمن، والتناحر السياسي، الأمر الذي أدى إلى تشكيل حكومة جديدة، بحسب حيدر.
ويرى أنّ الحكومة الجديدة لم يكن في مقدورها حل أي من الازمات التي يعاني منها المواطن اللبناني، خصوصا أن المصارف أحجمت عن دفع أموال المودعين.
ويقول حيدر إن البنوك تعذرت بإجراءات فرضها البنك المركزي، تخفيفا لحدة الطلب على الدولار، إضافة إلى رفض المصارف إعطاء المواطنين ودائعهم بالعملة الأجنبية التي أودعوها فيها، مصرين على إعطائهم بالليرة اللبنانية.
وأدى إحجام البنوك تزويد المواطنين بالعملة الأجنبية إلى توسع السوق السوداء لبيع الدولار، وبعدها تحول الدولار إلى سلعة للمتاجرة بين البنوك وأصحاب الأموال المكدسة بالدولار والصيارفة الذين تحولوا إلى جزء من السوق السوداء، والتحكم بأسعار الدولار.
وتسبب ما سبق بدفع سعر الليرة إلى التراجع لأكثر من 80% من قيمتها الأصلية، حيث كان الدولار يساوي 1500 ليرة، بينما الآن يتراوح سعره بين 5 و9 آلاف ليرة للدولار، وفقاً لحيدر.
وبناء على ذلك، لم يعد في مقدور المواطن اللبناني سحب أمواله بالعملة الأجنبية، إضافة إلى وضع سقف لحجم المسحوبات بالليرة اللبنانية أيضا.
وأدى إلى اضطرابات مع المودعين خصوصا أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب تراجع ثقة العملاء الخارجيين من بنوك وتجار وأصحاب استثمارات ومصالح في لبنان.
كما خفضت بعض المؤسسات المالية تصنيف لبنان إلى مستويات متدنية جداً، تصل إلى درجة أن السندات والديون المترتبة على لبنان.
ويرى حيدر ضرورة تخفيض عدد المصارف في لبنان، إما بإلغاء المتعثر منها وتصفيتها وإعادة الاموال لأصحاب الودائع، أو دمجها مع بنوك أخرى أكبر منها.
ويتابع: "من المهم أيضا أن تقوم الحكومة اللبنانية بمكافحة الفاسدين في القطاع المصرفي والمالي بسبب الكوارث التي ولدوها على المواطن والاقتصاد الوطني".
ويؤكد ضرورة استعادة الدولة دورها من خلال المصرف المركزي لرقابة المصارف التجارية والاستثمارية دون تحويل البنك إلى تاجر بالعملات الصعبة على حساب مواطنيه واقتصاد البلاد.
ويلفت حيدر إلى وجوب أن توقف الدولة سياسة التمويل بالسندات بنفس الأسلوب التضخمي للأرباح الموزعة، بحيث تضمن عدم تلاعب المصارف بأموال المودعين، إضافة إلى رفع نسبة الاحتياط الإجباري للمصارف مع البنك المركزي، حتى لا يتم التلاعب بأرصدة المواطنين، وتكون مضمونة لدى الدولة في حين الطلب، بحسب حيدر.