رامي مهداوي
2020-08-22
بحزن أقول إن العالم يتطور ونحن نتراجع بطريقة سريعة لدرجة فقدنا الاتزان في كيفية مواجهة الجبهات الكثيرة التي نتعرض لها، ما أوصلنا لمرحلة نخسر بها الصديق ونحوله إلى عدو لدود، وفقدنا الإبداع الجماعي بتغيير الأدوات النضالية من أجل تحقيق مكاسب وطنية تؤدي إلى تعزيز الصمود والمواجهة والتحرير والاستقلال.
حاولت رصد الفعل الفلسطيني أمام ما قامت به دولة الإمارات الشقيقة خلال الأيام الماضية، لأكتشف أننا اكتفينا فقط بتصريحات إعلامية أنتجت فُقاعات إعلامية لا أكثر ولا أقل، دون الاكتراث بتغيير المفاهيم لفهم الشعوب العربية ـــ وبالتحديد الخليجية ـــ والأجنبية وإعلامهم والتأثير عليهم في الترويج للمصلحة الوطنية وتوسيع الحوار بيننا بكل أطيافنا ومؤسساتنا ونظرائنا في الخارج.
لتحقيق هذا، ومن وجهة نظري العملية، نحن بحاجة الى الدبلوماسية العامة من أجل شرح سياسات القضية الفلسطينية والدفاع عنها بعبارات ذات مصداقية وذات مغزى في الثقافات العربية قبل الأجنبية؛ وتقديم معلومات حول فلسطين وشعبها وقيمها ومؤسساتها؛ وبناء علاقات دائمة والتفاهم المتبادل من خلال تبادل الأشخاص والأفكار؛ والتواصل الشعبي بيننا وبين جميع شعوب العالم.
نعم، نحن ضعفاء بالدبلوماسية العامة؛ التي نحتاجها كإحدى أدوات الفعل السريع في مواجهة الجبهات المختلفة، أين هم الأشخاص الذين يمارسون الدبلوماسية العامة؟ من هم الأشخاص الذين ينشرون أحدث خطاب للرئيس حول السياسة الخارجية، أو يشرحون نقاطه لمحررين الصحف العالمية، أو يكتبون مقالاً حول نفس الموضوع، من يكتب نقاط حديث وتوجيهها لمختلف الشرائح المجتمعية الدولية وبلغات وأدوات متعددة تتلاءم مع التنوع الثقافي.
على سبيل المثال أيضاً في الحالة الإماراتية: من تواصل مع ما وراء النخب الحكومية التي تقرر السياسة وتتفاعل مع الجمهور الأكبر في البلد. من تواصل بشكل أساسي بالأشخاص المؤثرين والصحافيين والأكاديميين وغيرهم من القادة في المجتمع الإماراتي الذين يساعدون في تشكيل الرأي العام؛ على الرغم من أن هناك عددا من المؤشرات كانت تُبين عددا من دول الخليج الى أين يتجه.
نحن نفتقد لسلاح الدبلوماسية العامة في جميع توجهاتنا، فهي ليست فعلا لكسب التأييد في داخل البلد لسياسات الحكومة. لهذا نجد أن معظم المؤسسات الفلسطينية الحكومية وشبه الحكومية والخاصة والأهلية تنفذ برامج وحملات وأخبارا تهدف إلى إعلام مواطنينا بالتغييرات السياسية والإنجازات وطريقة عمل الحكومة، لكن بوضوح أقول، إن الدبلوماسية العامة تستهدف بشكل خاص الجمهور الخارجي، وليس أبناء الشعب؛ ومن هنا جاء مصطلح «الدبلوماسية».
أيضاً أستطيع القول، إن ممارسة الدبلوماسية العامة في الوقت الحالي هي في الأساس نفس سياق ممارسة الدبلوماسية «العادية»، باستثناء أنه مع الدبلوماسية العامة نستطيع استخدام تكنولوجيا الاتصالات وهذا يضيف لنا كفلسطينيين مكامن قوة وليس ضعفا لتخطي العديد من الصعوبات.
في أدبيات العلاقات الدولية ما بعد الحداثة نجد أن عصر «الحكماء» قد انتهى الآن كما يقال. بالتالي أصابت الدبلوماسية تغيرات لمجموعة من الأسباب أهمها ثورة الاتصالات السلكية واللاسلكية واقتحام أدوات التواصل الاجتماعي الحديثة لحياتنا، لهذا فإن اتخاذ القرارات بشأن السياسة الخارجية وأي قرارات أخرى يبتعد عن مركز الحكومة ويخرج إلى المجتمع. نعم، بكل تأكيد لم تعد الشؤون الخارجية والعلاقات الدولية حكراً على عدد قليل من النخب، بل أصبحت مشتركة بشكل متزايد بين المناطق والدول والمنظمات غير الحكومية والشركات وغيرها من الجهات الفاعلة غير الحكومية.
علينا كفلسطينيين خاضعين تحت الاحتلال أن نشاهد بالتوازي الطريقة التي يتطور بها صنع القرار بالعالم من خلال الثورة التكنولوجية المعلوماتية وتأثير هذه الثورة على النظام الاجتماعي. فنجد خلال وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً تأثير التقدم في تكنولوجيا المعلومات على ردود الفعل البشرية والرسمية على الأحداث العالمية مثل: انفجار ميناء بيروت على سبيل المثال.
مع كل تقدم للتكنولوجيا يصبح المزيد من المعلومات متاحا، بالتالي يصبح الجمهور المهتم أوسع، وتجمع الرأي العام بشكل أسرع وأكثر قوة حول العالم. ما يوسع مشاركة المواطنين ولو بالرأي. إذاً، لنتفق بأن العالم الجغرافي السياسي أصبح معقدا لدرجة أن فكرة السيطرة الوطنية عفا عليها الزمن، وهي عديمة الفائدة.