سأدخل في الموضوع من دون مقدمات، وبشكل واضح وصريح أقول: هناك حالة من انعدام الثقة بين المواطن وبين جميع المؤسسات التي تحيط به من حكومية، شبه حكومية، أهلية، خاصة، مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، باختصار فقدان الثقة بكل شيء خارج إطار العائلة، وأضيف: إن ملاذ المواطن الأخير أصبح العائلة «القبيلة».
ربما سيقول لي شخص ما: إن الثقة نسبية ومُتذبذبة. بالتأكيد أتفق معه أيضاً بشكل نسبي والسبب ببساطة أن الفلسطيني انتقل من مرحلة فقدان الثقة إلى مرحلة الكُفر بكل ما هو قائم وبأي شيء يتم تحقيقه مهما كان حجم الإنجاز وطبيعته والظروف المحيطة قبل وأثناء وبعد تحقيقه.
في الآونة الأخيرة، كنت أستمع كيف تزداد نسبة عدم الاكتراث واللامبالاة في أي عمل عام بمختلف المجالات السياسية، الاجتماعية، الثقافية، الإعلامية، الصحية....إلخ، وربما يقابل المواطن تلك الأعمال بروح الدعابة بشكل استهزائي وفُكاهي.
المواطن أصبح كل اهتمامه هو الحفاظ على ما تبقى من لقمة عيشه قبل أن يلتهمها الآخرون منه بقصد أو من دون قصد، من خلال قرارات وسياسات لا تلامس الواقع بحلول إبداعية تنقذه من الغرق في ظل هذه الظروف الصعبة التي نعيشها.
أخطر ما في ذلك هو انعكاسه على علاقة المجتمع مع ذاته أولاً وأخيراً، لهذا ما يبرز لنا من قضايا وبأشكال متنوعة هو عبارة عن تفريغات حالة الكُفر بكل ما هو محيط، بالتالي المهم الحفاظ على الذات بأي شكل وأسلوب وأداة ومهما كان الثمن لأن الثمن أصبح معروفاً وهو فنجان قهوة!!
وحتى أنتقل من وصف حالتنا إلى العلاج، هناك دائماً أمل لاستنهاض واقعنا وإعادة بناء جسور الثقة، وهذا لن يتم حدوثه بعصا سحرية وبالتمنيات أيضاً، يجب أن نبدأ بالفعل المدروس الذي يؤدي إلى نتائج يتم البناء عليها خطوة بخطوة.
أول الخطوات هو التغيير، نحن بحاجة إلى تغيير الرؤيا والأهداف، لهذا أيضاً علينا أن نغير الأدوات، وحتى أكون صريحاً، إن هذه الخطوة هي الأهم والأخطر لأنها بكل تأكيد سيتم رفضها من قبل أصحاب النفوذ المصابين بحالة التكلس والتحجر الفكري، لأن هذا يعني المساس بمصالحهم الخاصة.
لهذا أفضل حل وقبل فوات الأوان؛ لتجاوز هذه المعضلة ولخصوصية واقعنا الحالي في ظل المتغيرات المُتسارعة، هو أن يأتي ذلك التغيير من أعلى قمة الهرم في مختلف المكونات، ما أتمناه من السيد الرئيس محمود عباس ودولة رئيس الوزراء د. محمد إشتية تنفيذ الخطوة الأولى في إعادة النظر إلى دور المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، بصياغة رسالة وهدف وأدوات تتلاءم مع واقعنا الحالي، من أجل البدء بضخ دماء جديدة في مختلف المواقع والقطاعات لإزالة حالة التكلس في جميع محركات التنمية؛ للحفاظ على لقمة عيش المواطن وتعزيز صموده على أرضه.
لا نملك خيارات سوى أن نستمر بالعمل على الرغم من ظلام المشهد، الكُفر وفقدان الثقة يجب أن يواجه بطاقات متجددة لا تيأس، وأختتم مقالي بقول الشاعر أبو إسماعيل الطغراني:
أُعَلِّــلُ النَّفْسَ بِالآمالِ أَرْقُبُهَا ما أَضْيَقَ العَيْشَ لَولَا فُسْحَةُ الأَمَلِ