بقلم / اياد القرم -ماجستير تخطيط وتنميه سياسيه
بعد هزيمة حزيران في العام 1967 انعقدت القمة العربية في الخرطوم وأعلنت لاءاتها الثلاث المشهورة: لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل، وجاءت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في سبتمبر من العام 1978 كأول خروج عن الإجماع العربي بعدم عقد الصلح مع إسرائيل إلا بعد استرجاع الحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية، لتنعقد على أثرها قمة بغداد 1978 لتؤكد على عدم موافقة المؤتمر على اتفاقية كامب ديفيد، وجاءت حرب لبنان في العام 1982 لتشكل ضربة قوية للثورة الفلسطينية بخروجها من لبنان، وخسارة خط المواجهة الأبرز مع إسرائيل، لتشكل تلك المرحلة علامة فارقة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لتنطلق بعدها بسنوات قليلة انتفاضة الحجارة في كانون الأول من العام 1987، وفي العام الثاني للانتفاضة، تحديداً 1988، أعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات قبوله بقراري الأمم المتحدة 242 و338 في أول قبول فلسطيني بدولة فلسطينية مستقلة على الأراضي التي احتلت في العام 1967، لتدخل بعدها أطراف عربية ودولية في خط المفاوضات السرية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، نتج عنها الموافقة على انعقاد مؤتمر للسلام في مدريد في أواخر العام 1991، لتدخل بعدها المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي مرحلة حاسمة وسرية نتج عنها التوقيع على اتفاق أوسلو، ولم يكن اتفاق أوسلو أو اتفاق إعلان المبادئ معاهدة سلام، بل كان وسيلةً لوضع ترتيبات الحكم المؤقتة، وإطاراً لتسهيل مفاوضات لاحقة للتوصل لمعاهدة نهائية أواخر عام 1999.
فتح اتفاق أوسلو آفاق جديدة في العلاقة العربية الإسرائيلية، فقد تم توقيع اتفاق سلام بين الأردن وإسرائيل عُرف باتفاق " وادي عربة" الموقعة في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1994، وفي نهاية سبتمبر/أيلول 1994 قرر المغرب وإسرائيل فتح مكاتب ارتباط في كلتا الدولتين، وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول 1994 اتفقت تونس وإسرائيل على فتح مكتبين للتمثيل التجاري في كل منهما، أما قطر، فقد بدأت علاقاتها مع إسرائيل بعد مؤتمر مدريد وكان أول لقاء قطري إسرائيلي مع رئيس الحكومة الإسرائيلي وقتها شمعون بيريز بعد زيارته لقطر عام 1996، وتبادل الجانبان مكاتب التمثيل.
في نهاية مارس/آذار 1997 أوصى وزراء الخارجية العرب المجتمعون في القاهرة بإيقاف خطوات التطبيع التي جرى اتخاذها مع إسرائيل في إطار عملية السلام، وإيقاف التعامل معها بما في ذلك إغلاق المكاتب والبعثات إلى أن تنصاع إسرائيل لمرجعية مدريد ومبدأ الأرض مقابل السلام وتنفيذ الاتفاقات والتعهدات التي توصلت إليها مع الأطراف المعنية، وذلك في ظل تنصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من كافة الاتفاقات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية.
وفي القمة العربية في بيروت يوم 28 مارس/آذار 2002 تبنى القادة العرب مبادرة السلام السعودية على أساس السلام وإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل في مقابل انسحابها الكامل من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967.
بعد فوز ترمب بالانتخابات الأمريكية في أواخر العام 2016، دخلت العلاقة العربية ألأمريكية مرحلة جديدة عنوانها الابتزاز الأمريكي لتلك الدول مقابل حمايتها من إيران، والتحالف مع الولايات المتحدة في حربها ضد ما تسميه "الإرهاب" وتكون إسرائيل جزءا أساسيا من المشروع المطروح أمريكيا ، لتصدر الولايات المتحدة القرار الأبرز لها وهي الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل وتنقل السفارة إليها، ومن ثم تطرح صفقة القرن والتي تعتبر تصفية حقيقية للقضية الفلسطينية.
في ظل الرفض الفلسطيني القاطع لتلك الصفقة، وقطع السلطة الفلسطينية علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة، ودعوتها للدول العربية لدعم الموقف الفلسطيني، جاءت خطوات بعض الدول العربية مغايرة تمام للطموح الفلسطيني، فقد استقبلت دولة عُمان رئيس الوزراء الإسرائيلي، وفتح البحرين أراضيها لاستقبال الوفود الإسرائيلية، وزار عدة وزراء إسرائيليين دولة الإمارات، لتشكل تلك الخطوات أولى ملامح المرحلة المقبلة والتي عنوانها التطبيع مع إسرائيل، رغم تنكر إسرائيل والولايات المتحدة لكافة الحقوق الفلسطينية، وارتفاع وتيرة الاستيطان ومصادرة الأراضي والقرار الإسرائيلي بضم المزيد من الأراضي الفلسطينية لإسرائيل.
في خضم تلك الأحداث جاءت خطوة الإمارات الأخيرة والمتمثلة بإقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل والتطبيع الكامل معها لتمثل ضربة كبيرة للجهود الفلسطينية لجعل التطبيع العربي ورقة رابحة بيدها في صراعها مع إسرائيل، فالموقف الفلسطيني الثابت هو أن التطبيع يتلو اعتراف إسرائيل بالحقوق الفلسطينية وانسحابها من الأراضي المحتلة في العام 1967 كما نصت عليه مبادرة السلام العربية وبموافقة جميع الدول العربية.
ويدّعي المطبعين أن الفلسطينيين قد وقعوا اتفاقا مع إسرائيل قبل 27 عاما وأنهم أول من جلس مع الإسرائيليين، ولكن هذا الادعاء المضحك لا يستحق الرد أو التحليل، فالفلسطينيين وقعوا اتفاقا مرحليا مع إسرائيل وكان العرب يضغطون بكل قوة على الطرف الفلسطيني لقبول الدخول في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وحتى القبول بما يعرض عليهم من الجانبين الأمريكي والإسرائيلي، ولم يكن هدف اتفاق أوسلو التطبيع مع إسرائيل، وإنما كان اتفاقا يأمل الفلسطينيين من خلاله الوصول إلى الدولة المستقلة.
تلك الخطوات التطبيعية من قبل بعض العرب تشكل خنجرا وضربة كبيرة للحقوق الفلسطينية كونها تكافئ إسرائيل في ظل تعنتها عن الحقوق الفلسطينية، وفي ظل الرفض الإسرائيلي القاطع بإعطاء الفلسطينيين دولة في حدود العام 1967، فالتطبيع الإماراتي أو غيره يشجع إسرائيل على التعنت أكثر ويجعل التطبيع أولا قبل الحديث عن مفاوضات فلسطينية إسرائيلية، وبالتالي فالتداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية يمكن إبرازها في النقاط الآتية:
1. يضعف هذا الاتفاق وأي اتفاق مستقبلي مع دول عربية أخرى الحاضنة العربية للقضية الفلسطينية، ويقدم الاتفاقات مع الاحتلال على أي تسوية مستقبلية للقضية، خاصة في ضوء اللقاءات مع الاحتلال في السنوات الأخيرة، وأبعادها التي انعكست على مكانة القضية الفلسطينية في الأجندة العربية، مما أهل استعداد دول عدة لتطبيع علاقاتها مع الاحتلال دون أن يكون مضطرًا لإنهاء احتلاله للأراضي الفلسطينية.
2. أضعف الاتفاق مطالب الفلسطينيين من المجتمع الدولي الداعية إلى ردع الاحتلال ومعاقبته في ظل الاستيطان الإسرائيلي والضم، في المقابل، تروج إسرائيل بأن الدول العربية تقبل بالإجراءات والسياسات الأميركية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية، في محاولة لكسر الرفض العالمي لتلك الإجراءات والقرارات من جهة، وتوسعة المشروع الصهيوني وإجراءاته القمعية ضد الشعب الفلسطيني من جهة أخرى.
ومن هنا فإن تسارع وتيرة التطبيع العربي مع إسرائيل يشكل الرافعة الأساسية لإسرائيل للمضي قدما في تعنتها ورفضها لإعطاء الفلسطينيين أية حقوق، ويعمل على زيادة التغول الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية، وعربيا تكون إسرائيل دولة صديقة في العالم العربي، ويتبدل مفهوم العداء إلى صداقة وعلاقات طبيعية، وان العدو الرئيسي لبعض الأطراف العربية هو إيران وليست إسرائيل، لتستغل إسرائيل تلك التحولات في صياغة مفاهيم جديدة لطبيعة الصراع في الشرق الأوسط، ليكون عنوان هذا الصراع هو مواجهة إيران بالتحالف مع الدول العربية المطبعة، ولتكون القضية الفلسطينية آخر أولويات تلك الدول.