كتبت هيفاء حسين دراغمة: أنا لوحدي، ومَن يسمَّى أخي يلهو مع الغريب.
كثيرًا ما كانت تردِّد الجدّات مقولةَ "أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب" كرسالةٍ تحملُ في معناها أنَّ رابطةَ الدمّ لا يقوى عليها شيء، وأنَّ الواحدَ منّا لا يفعل سوءًا بابن عمه من أجل الغريب، فهل يعقل أن يفعلها بأخيه؟
ولكن حسب ما يظهر، فإنَّ زماننا هذا قلبَ الموازين، وكشفَ إمكانية حدوثِ العكس.
التطبيع الإماراتي وردّ جامعة الدول العربية عليه:
منذ أسابيع قليلة وكما نعلم، بدأت موجةُ العلاقاتِ الإمارتية "الاسرائيلية" بدَقِّ الأبواب المغلقة، بل وفتحِها من أوسعها تحت شعار "السلام المتبادل بين 'الدولتين'".
ونتيجةً لهذا قدَّمت فلسطين إلى جامعة الدول العربية مشروعَ إدانةٍ للتطبيع الإماراتي، وما كان من الجامعة سوى إسقاط المشروع وكأنَّ شيئًا لم يكُن، متناسيةً ربّما، ما تعانيه البلاد.
وصار الحال كمَن ذهبَ لمَن اعتبرها أمّه شاكيًا عمّا فعله أخاه، فوجَد كلاهما يستحق الشكوى.
وهنا، تجد الفلسطينيُ واقفًا حاملًا على ظهره المتعب ذكريات ما مضى، الذكريات المؤلمة على وجه التحديد، محدِّقًا بواقعٍ أمامه لا يختلف سوى قليلًا عن سابقه، خائفًا من مستقبلٍ ينتظره.
حاضرٌ يناقضُ ماضيه:
لم يكن التطبيع الإماراتي حدثًا فريدًا من نوعه أو "سلامًا" لم تشهد مثله المنطقة العربية من قبل، ولكن ردود الفعل في الماضي هي التي اختلفت؛ ففي عام (١٩٧٩) أُبرمت معاهدةُ سلامٍ بين مصر و"اسرائيل" عقب اتفاقيات كامب ديفيد. وإثرَ هذا عقدت الدول العربية مؤتمرَ قمة رفضت فيه كل ما صدر. واتَّخذت فيما بعد جامعة الدول العربية قرارًا بنقلِ مقرها من القاهرة إلى تونس احتجاجًا على الخطوة المصرية. وتم تعليق عضوية مصر في الجامعة من عام (١٩٧٩) إلى عام (١٩٨٩).
فهل هذا بذاك يُقارن؟
تاريخٌ مشابه، وليت الحكمة منه تُفهم:
يروي إبراهيم نصر الله في رواية "قناديل ملك الجليل" قصةً حقيقيةً لظاهر العمر الزيداني والذي سعى منذ زمن نحو هدف تحرير الأرض وإقامة الدولة العربية في فلسطين. ولكنَّه خلال مسيرته تلك، تعرَّض للكثير من الخيانات، وانتهت به الحياة مع الأسف قتيلًا على يدِ من احتضنه وآواه. لأنَّ المصالح آنذاك، كانت أهم من رابطة الألفة والدم، وما زالت.
ويصف نصر الله في نهاية روايته الحدث كاتبًا:
"صوَّب الدنكزلي وأطلق رصاصته القاتلة، التي أصابت قلب ظاهر. لكنه لم يسقط، ظلَّ واقفًا والدمّ يتدفق من صدره، وعيناه مثبتتان إلى وجه الدنكزلي، العينان نفسهما القويتان الثاقبتان. عند ذلك سحب الدنكزلي سيفه، وأغار على ظاهر، وبكل قوته قطع عنقه، ففار الدمّ من جسده، متحوِّلًا إلى أكبر شعلة قنديل يمكن أن يراها أحد تحت الشمس، وراحت تتّقد وتعلو، وتعلو."
ولكننا نخشى من ماذا:
في الحقيقة نحنُ لا نخشى الابتسامات الصفراء، ولا الشعارات الكاذبة، كلّ ما نخشاه، مستقبلًا لا يعلم به أطفالُ اليوم، أنَّ هذه البلاد كانت لأجدادنا وما زالت لنا. وأن يصبحَ دمّ العربي على العربي حلال.
بالمناسبة، قبل نقطة النهاية في مقالي هذا، عرفتُ أنَّ البحرين سارت على خطى الإمارات، ولا أعلم إن كانت ستتبعهم دولٌ أخرى قبل الضغط على مؤشر النشر أم لا.