كتبت اميرة سلامة
حتى الانتفاضة الفلسطينية الأولى كانت فتح هي الحزب الوحيد المهيمن على الساحة السياسية الفلسطينية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية .في عام 1987 نشأت حماس كحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. في أعقاب اتفاقات اوسلو نددت منظمة التحرير الفلسطينية التي لا تزال فتح العضو المهيمن فيها رسميا بالمقاومة المسلحة. رفضت حماس الاعتراف بإسرائيل وعارضت اتفاقات أوسلو والاتفاقات اللاحقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. تحت ضغط إسرائيل والمجتمع الدولي حاولت فتح القضاء على حماس خاصة بعد أن خلف محمود عباس ياسر عرفات رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية أدت التوترات إلى انسحاب اسرائيل من غزة في عام 2005 وبلغت ذروتها في معركة غزة في يونيو 2007 مما أدى إلى انقسام الحكومة الفلسطينية.
في محاولات المصالحة ركزت حماس أساسا على إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وإدراجها في المنظمة. بعد فوز حماس في انتخابات 2006 حاولت دون جدوى إدارة حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية بسبب المقاطعة الإسرائيلية والدولية.
تعثّرت جهود المصالحة بين حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في ظل مطالبة الأخيرة بتطبيق اتفاق المصالحة العام 2011، وتمسك الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتطبيق اتفاق العام 2017، وتمكين الحكومة من عملها في غزة. يأتي ذلك في ظل غياب صيغة توافقية تسعى لإعادة النظر في الاتفاقيات السابقة، وإنهاء حالة تفرد الحركتين بالقرار الوطني الفلسطيني.
توقفت اللقاءات بين قيادة الحركتين بعد لقائهما الأخير في القاهرة في تشرين الثاني 2017، للبحث في تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق المصالحة 2017، وانتهى اللقاء بتفاهمات عامة لم تتضمن سوى الاتفاق على عودة الاجتماع مطلع شباط 2018، وهو اللقاء الذي أُجِّل بعد أن تجميد جهود المصالحة بسبب خلافات الحركتين على آليات تسليم كامل إدارة قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، إضافة إلى عوامل أخرى تجسدت في خلافات داخلية وعوامل إقليمية.[1]
أدت عوامل متعددة إلى فشل حركتي فتح وحماس في التوصل إلى إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، ودخلت عملية المصالحة مرحلة جديدة، بعد قيام الرئيس عباس بحل المجلس التشريعي الفلسطيني، بتاريخ 24/12/2018، تنفيذًا لقرار المحكمة الدستورية[2]، وقيام "حماس" بعقد جلسة للمجلس التشريعي في غزة أعلنت فيها "نزع الأهلية السياسية عن الرئيس"[3]، وصولًا إلى تقديم حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمد الله استقالتها، بتاريخ 29/1/2019، وتكليف محمد اشتية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، بتشكيل حكومة جديدة، بتاريخ 10/3/2019[4]، ليفتح ذلك صفحة جديدة من الخلافات الداخلية.
أدت عوامل عدة، محلية وإقليمية ودولية، إلى فشل جهود المصالحة، أبرزها محليًا عدم توفر إرادة سياسية لدى طرفي الانقسام، من خلال التوافق على صيغة مشتركة لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها القضية الفلسطينية. وأما إقليميًا فتتدخل بعض المحاور الإقليمية في مجريات الحوار الفلسطيني، من خلال حالات التقارب السياسي والفكري مع بعض الفصائل الفلسطينية عبر تقديم الدعم المالي لها لإطالة أمد الانقسام وإفشال الجهود المصرية في تحقيق المصالحة. وأما دوليًا، فتمارس بعض الأطراف ضغوطًا كبيرة على الفلسطينيين من أجل عدم التوصل إلى اتفاق المصالحة، تنفيذًا لسياسات داعمة لوجود إسرائيل وعدم توحيد الفلسطينيين لأنفسهم.
لا يزال تأثير هذه العوامل ظاهرًا على أرض الواقع، وبشكل ملموس، وهذا يُرجح فشل الجهود المستقبلية، في ظل استمرار مواقف الأطراف الداخلية والتأثير السلبي للبيئتين الإقليمية والدولية.
وفي ضوء ما تقدم، وأخًذا في الاعتبار السياقات المحلية والإقليمية والدولية، تجد المصالحة الفلسطينية نفسها اليوم أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة، هي:
1. أن تمضي حركتا فتح وحماس في المصالحة مراعاة للمصالح العليا للشعب الفلسطيني ، وأن تتجاهل القضية الفلسطينية الضغوط والمواقف الامريكية والإسرائيلية ، وأن تتمكن حكومة الوحدة الوطنية المكونة من كفاءات فلسطينية تجاوز الأزمة وتهيئة الأجواء لانتخابات جديدة تقبل بها الأطارفكافة،وأنيعادبناءمنظمةالتحريرعلىأسسوطنيةجامعة.لكّننجاحهذا السيناريو يتوقف على ثلاثة عوامل: الأول، أن تفي الدول العربية بالتازماتها المالية وأن توفر الدعم السياسي لتمكين هذه الحكومة من الصمود. وفي هذا السياق تعقد جامعة الدول العربية اجتما ًعا غير عادي على مستوى المندوبين الدائمين اليوم 28 نيسان/ أبريل لمناقشة تطوارت المفاوضات وتوفير شبكة الأمان المالية للسلطة الفلسطينية. كما أبدت كل من قطر وتركيا استعدادهما لتوفير المساعدات في حال إتمام المصالحة. والثاني، أن تتجاهل حركة فتحضغوط قوى معسكر الثوارت المضادة للانسحاب من المصالحة أو استغلالها لإنهاء نفوذ حركة حماس في غزة. والثالث، ألا تذهب السلطة الفلسطينية إلى خيار المفاوضات في حال استمرارها من دون توافق سياسي وطني جامع.
2. أن تفشل عملية المصالحة، فعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي سادت توقيع الاتفاق والجدية
التي أظهرها الطرفان، فإ ّن ذلك لا يمنع القول بأ ّن هناك أجوا ًء من القلق تعتمل في أوساط الأري العام الفلسطيني في ضوء التجارب السابقة. فثمة تخّوف من احتمال استخدام المصالحة بوصفها ورقة ضغٍط لتأمين شروط استمرار المفاوضات مع اسرائيل وبخاصة في ظل استمرار الضغوط الأميركية والاسرائيلية وتصاعدها، والتي ترمي إلى تعطيل المصالحة. قد يتكّرر هذا الأمر كما حصل سابقًا بعد إعلان الدوحة عام 2012 حين خير نتنياهو الرئيس عباس ما بين المصالحة مع حماس والسلام مع إسرائيل ،وتكّرر أيًضا في أيار/ماي0132 عندما اتفق الطرفان الفلسطينيان على تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال ثلاثة أشهر واجراء الانتخابات بعد ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيل الحكومة،وهو ما لم يجر التزامه ؛إذ عادت السلطة الفلسطينية بعد ذلك إلى المفاوضات وفقًا لمبادرة "اتفاق الإطار" لوزير الخارجية الأميركي جون كيري. كما أّن غياب الراعي المباشر للمصالحة والذي يضمن تنفيذ بنودالاتفاق.