الرئيسية / الأخبار / فلسطين
حوارة .. طريق مختصر إلى الرحيل
تاريخ النشر: الثلاثاء 09/09/2014 17:02
حوارة .. طريق مختصر إلى الرحيل
حوارة .. طريق مختصر إلى الرحيل

 تحقيق: وفاء ابعيرات

طريق الموت، لربما ستصاب بالرعب و الذعر إذا سمعت بهذا الاسم، لكنه ليس مسلسلا تركيا أو سوريا، وإنما الواقع يحكي أن مسلسلا كهذا واقعي بدأ منذ سنين ولكن إلى الآن لا يوجد له نهاية.

 

شارع حوارة شمال الضفة الغربية.. لمن لا يعرفه هو مشهد سوداوي بات يتكرر على  أهالي حوارة والمناطق المجاورة، بالإضافة إلى العديد من المدن والقرى الفلسطينية الأخرى، فقد بات مسرحاً للحوادث المرورية.

 

فهو الشريان الرابط بين رئتي الوطن، صرخات تتعالى لمناشدة كل مسؤول حتى يجد حلا لمشكلة هذه الطريق، التي باتت أشبه بالثعبان الذي يلدغك فيقتلك ولا آذان صاغية، فلا يكاد يمر يوم إلا وأنزل هذا الشارع دمعة أم، وأحرق قلب أخ أو أخت.

 استياء من الإهمال

السائق أيوب أبو زيتون على خط بيتا- حوارة (27عاماً) بعد تنهيدة عميقة يقول: "حصل معي حادث منذ شهرين وسط بلدة حوارة"، معللاً السبب بأنه أثناء مروره بطريق حوارة تجاوزته سيارة، وذلك على إثر ضيق الطريق، حيث أرادت التوقف عند أحد المطاعم على جانب الطريق فأدى ذلك إلى اصطدامهما ببعض، وإصابته بفقدان الوعي وإصابة من معه  من الركاب، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد تعداه إلى إصابة بليغة لصاحبة المركبة الأخرى.

 

ويضيف إن ما زاد الطين بله هو تكلفة إصلاح مركبتة حيث كلفته مبلغ قدره 17 ألف شيقل فقد قام التأمين بتغطيته بعشرة آلاف شيقل ولم يغطي الحادث بأكمله، مشدداً على ضرورة سن قوانين تحميهم كسائقين.

 

كما نوه إلى أن أي شخص يمر في الشارع يلاحظ أنه مزدحم يومياً وسبب الكوارث والحوادث فيه هو ضيق الطريق فهناك آلاف الشاحنات والسيارات التي تمر منه يومياً،  فليس فيه جزيرة تفصل بين المسارين، ولا يوجد أرصفةٌ مؤهلة للمشاة، فالإسفلت على الطريق مشقق ومليء بالحفر، وهذه الحفر تمثل عقبة للسيارات قد تؤدي إلى تعليقها في الغالب، مما يؤدي إلى حوادث مرورية كثيرة، فالمكان يعج بالفوضى وعدم ترتيب المحلات التجارية والمطاعم على جانبي الطريق.

 

من جانبه أوضح السائق محمد القواريق أنه ليس هناك مواقف محددة للسيارات التي تقف بجانب هذه المحلات والمطاعم، ولا لسيارات الزبائن، فالجميع يوقف سيارته كيفما يشاء فيزدحم المكان بالسيارت، ويصبح الشارع أكثر ضيقاً مما يجعل الحركة فيه أصعب، لدرجة أن كل من يعبر هذا الشارع يلتقط أنفاسه إلى حين الخروج منه بسلام، ليعلن بعد ذلك تنهيدة التخلص من شد الأعصاب والنجاة من أي حادث. 

 

ويتابع حديثه: "نحن نعاني كثيراً على هذا الشارع، ومن سوء الطريق حيث أن عبور الشارع يستغرق منّا بعض الوقت لنخرج منه و خاصةً يوم الخميس، و ذلك بسبب عدم وجود تنظيم مروري وعدم و جود رقابة على هذه الطريق.

ويطالب أحد المواطنين من سكان حوارة الجهات المسؤولة بإنشاء جسر للمشاة ليعبر المارون الشارع بأمان، "فعبور الشارع أصبح فيلم رعب للكثيرين"، كما ويطالب بوجود المطبات التي تقوم بدورها بتخفيف السرعة للتقليل من حوادث السير، مناشداً الجهات المختصة بإصلاح أوضاع الشوارع التي تودي بأرواح أبنائهم، فأرواحهم أغلى ما يملكون على حد تعبيره .

 

مدير العلاقات العامة في بلدية حوارة أحمد راضي يقول: "لا يوجد جسور لمرور المشاة خاصة على مفترقات المدارس، إلا أن الجانب الإسرائيلي ضمن المخططات الجارية لتوسعة وتأهيل الشارع الرئيسي قد وافق على تلك الجسور ضمن شروط معينة منها أن لا يقل ارتفاع الجسر عن ستة أمتار، وأن يكون محكم الإغلاق".

 

أحمد الحاج علي طالب في جامعة النجاح الوطنية من سكان بلدة حوارة، يضطر يوميا للمرور من هذا الشارع ليصل لجامعته، خلال حديثنا معه أشار إلى أن "موقع مطعم الوجبات السريعة في البلدة يقع على مفترق طرق وهذا يؤدي لأزمة سير خانقة، بالإضافة للعديد من الحوادث، لذلك يجب على بلدية حوارة عدم التهاون في الموضوع، والعمل بأسرع وقت على إزالة هذا المطعم أو إبعاده للحد القانوني للتخفيف من الضغط على الشارع".

 

 

أما سائق التكسي عماد عواد من قرية عورتا يقول: "منذ ثلاثة شهور اصطدمت بسيارة على مفرق أودلة في حوارة مقابل مطعم للوجبات السريعة، ونحن نطالب بتوسيع الطريق، وأن يفتحوا خطا آخر، أو تغيير الخط بأكمله".

 

ويعقب على قوله المواطن إبراهيم من سكان بلدة عصيرة القبلية قائلا: "عائلة أخي تعرضت لحادث على طريق حوارة، وبالتحديد بجانب المطعم، مما أدى إلى إصابة جميع أفراد العائلة بالرضوض، وأنا أيضا تعرضت لحادث على هذا الشارع قبل سنوات".

 

 

تساؤلات على ألسنة الحواريين

 

أليس من حقنا أن نطالب بالاهتمام بهذا الشارع كغيره من الشوارع؟، ألم يحن الوقت لتسميته شارع الحياة بدل شارع الموت؟، لماذا يقطع عنه التنفس بالرغم من أنه حي؟.فمن المسؤول عن حياة المواطنين اللذين يلقون حتفهم؟

كما يتساءل المواطنون: "لماذا لم يتم توسيع الطريق بعد؟ ما هو العائق؟ هل هو عائق مادي؟ أم لا مبالاة؟".

ورداً على هذه التساؤلات أفصح نائب رئيس بلدية حوارة كمال جبر عن وجود مخطط جاهز منذ سنة ونصف تقريباً، ولكن تأخر التنفيذ بسبب مماطلة الجانب الإسرائيلي بالموافقة على إجراء الإصلاحات، عدا عن تأخر الدعم المالي الذي كانت تنتظره البلدية لإجراء لتنفيذ المشروع.

 

وأكد جبر حصول البلدية مؤخرا على موافقة من الإرتباط الإسرائيلي بهدف توسعة الطريق وتعبيدها من خلال إزالة التعديات عليها، وكشف عن مشروع لبناء جسرين أحدهما عند مدرسة عمر بن الخطاب والآخر عند مدرسة عقاب، وذلك بدعم من الـ USAID من أجل الحفاظ على سلامة الطلاب، والحد من نسبة الحوادث.

 

وفي تقرير لقسم الخدمات والعلاقات العامة في بلدية حوارة ورد ما يلي "لقد ناشدت بلدية حوارة خلال السنوات الماضية كافة المسؤولين وصناع القرار والوزارات ذات العلاقة بضرورة تبني مشروع يدعم توسعة الشارع الرئيسي بما يضمن السلامة العامة للمواطنين ويحد من تلك الحوادث ويكون ملائما ولائقا بالمدخل الجنوبي لمدينة نابلس، ومع كثرة المناشدات والمطالبات والاعتصام والاحتجاجات من قبل البلدية وبمساعدة أهالي البلدة  ومع سماع ضجر المسافرين من أزمة السير الخانقة اليومية التي يعاني منها المسافرين فقد لفت هذا الشارع أنظار المسؤولين إلى تبني مشروع لتأهيله وتوسعته،  وقد قامت مؤسسة فيرست اوبشن عام 2010 بتصميم الشارع بشكل مبدئي، وأجرت الدراسات اللازمة له بكلفة زادت عن ستين ألف دولار أمريكي، ونذكر أن تصميم الشارع يحتوي على ترميم كامل يشمل إصلاح البنية التحتية".

 

وجاء في التقرير أيضا: "إن تكاتف جهود الوزارات وبلدية حوارة دفعت جميعها إلى إقناع المانحين إلى رفع درجة أولوية الشارع الرئيسي كأول مشروع يجب تنفيذه في العام 2014، حيث صبت وزارتي الأشغال العامة والإسكان ووزارة الحكم المحلي وحتى وزارة النقل والمواصلات كامل اهتمامها من أجل موافقة المانحين على ذلك، وفعلا وافقت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية(USIAD) على مشروع توسعة وتأهيل شارع حوارة الرئيسي بطول حوالي ثلاثة كيلومترات والذي لن يخدم بلدة حوارة فقط وإنما يخدم كافة أبناء الوطن لأهميته الاستراتيجية".

 

وبالرغم من كثرة الحوادث إلا أنه ليس هناك من متعظ، فالكل يؤمن بأنه قادر على القيادة بشكل جيد، و بأنه ملك السرعة في القيادة في هذا المكان الصعب، و كأنه لا يلبث إلا أن يسابق الزمن، ليصل إلى ما يريد، ولكنه لا يعلم أن مروره من هذه الطريق ربما توصله إلى حتفه لا قدر الله.

 

طريق أصبحت تشكل مأساة كبيرة للمواطنين، كمصيدة أزهقت الأرواح وأتلفت الممتلكات وأعاقت الشباب و أفجعت الآباء والأمهات، فقد من أصيب فيها من أصيب، وقتل فيها من قتل وتستمر المعاناة.

 حوادث مستمرة

وجسد الرعب قصة حدثت قبل عام حيث تحدث السائق إبراهيم حمدان صالح من عصيرة القبلية بأن له ابن أخ صدمته سيارة إسرائيلية بقوة حيث أصيب إثرها إصابة خطيرة ونجا بأعجوبة على حد وصفه.

 

لم تكن هذه الحالة وليدة اليوم فشهد راضي ضميدي (55 عاما) عام 1984 الموت بعينه حينما فقد ساقه اليسرى إثر دهسه من قبل سيارتين انحرفتا عن الطريق على مفرق أودله، لكن القدير أبقاه حياً ليس من فراغ بل ليقف على رجله الاصطناعية و يروي قصته راجياً أن يتغير الحال بتوسعة الطريق.

 

صرخة أخرى نقلها ناصر ديك شقيق الشابة هديل ديك قائلا: "لم تدرك هديل البالغة آنذاك عشرة أعوام أن خروجها إلى البقالة على جانب الطريق هو بمثابة إلقاء نفسها إلى التهلكة، فابتسامتها البريئة لم تبقى على حالها بعد أن دهستها سيارة حكمت عليها بإعاقة أبدية".

فكم من أرواح أودي بها طريق الرعب، وكم من أطفال تيتموا، وكم من نساء ترملن، وكم من أشخاص أصبحوا معاقين؟

 

نموت مقابل أمن مستوطن

 

إن عدم وجود مطبات و عدم وجود عاكسات مرورية وجزيرة في هذا المكان  يثير الريبة في صفوف السائقين، وما يثير استفزازهم أكثر هو أن ذلك يصب في خانة توفير الأمن للمستوطنين الإسرائيليين المارين من هذه الطريق، التي تعد العمود الفقري للضفة الغربية.

 

ويشهد على ذلك أحد المواطنين قائلاً: " نطالب بوضع جسر للمشاة، فقد سبق وأن طالبنا بوضع مطبات، ولكن لا مجيب، وذلك بحجة التحفظ على أمن المستوطنين".

 

نائب رئيس البلدية يقول إن السبب وراء عدم وجود مطبات هو عدم موافقة الجانب الإسرائيلي على ذلك، مبرراً بأن هذه المطبات تعمل على تخفيف سرعة المركبات بما فيها مركبات الإسرائيليين، مما يثير مخاوفهم لحدوث ردود فعل من الفلسطينيين.

 

من جانبه أوضح مدير العلاقات العامة في بلدية حوارة أحمد راضي أن الاحتلال لا يسمح بوضع مطبات على طول الشارع الرئيسي لدواعٍ أمنية، فالشارع من الناحية التنظيمية من مسؤولية بلدية حوارة، لكنه من الناحية الأمنية خاضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، والعبرة من عدم وضع مطبات حسب الجانب الإسرائيلي ضمان مرور المستوطنين والمركبات التابعة للاحتلال الإسرائيلي دون أي تعثر وبأقصى سرعة ممكنة.

 

و يضيف بأنه لا يوجد عواكس مرورية، ولا إشارات ضوئية أو حتى خطوط مشاة، لأن هذا من شأنه أن يعطل حركة مرور المستوطنين والاحتلال الإسرائيلي.

 

أما مدير العلاقات العامة والإعلام في شرطة محافظة نابلس الرائد رائد أبو غربية يقول: "دورنا كجهاز علاقات عامة نقوم دائماً بتنفيذ محاضرات وورشات عمل توعوية مع الجهات المعنية والتربية وبلدية حوارة وعبر وسائل الإعلام، وذلك لرفع مستوى الوعي المروري وخاصة طلاب المدارس للحد من الحوادث".

 

ويتابع حديثه: "يوجد عندنا تعاون مشترك مع مختلف الإدارات في جهاز الشرطة الفلسطينية لترتيب المحاضرات في جميع المجالات ونشر الثقافة الأمنية، ورفع مستوى الوعي المروري لكافة شرائح المجتمع".

 

ونوه إلى الأمر لا يقتصر على مشكلة وعي، فالطريق لا يوجد فيها مقومات للسلامة وخاصة للمشاة، كما أنها ضيقة جداً، ولكن المنطقة هذه تقع تحت السيطرة الإسرائيلية، وأي تعديل في هذه الطريق يجب أن تكون هناك موافقة من قبل الجانب الإسرائيلي.

 

إلى متى هذه الطريق ستبقى كابوساً يخيم على عقولنا وحياتنا؟

لماذا هذا الإهمال في هذا الشريان الذي يخدم آلاف المواطنين؟ 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المزيد من الصور
حوارة .. طريق مختصر إلى الرحيل
حوارة .. طريق مختصر إلى الرحيل
حوارة .. طريق مختصر إلى الرحيل
حوارة .. طريق مختصر إلى الرحيل
حوارة .. طريق مختصر إلى الرحيل
حوارة .. طريق مختصر إلى الرحيل
حوارة .. طريق مختصر إلى الرحيل
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017