الرئيسية / مقالات
اشتراطات التمويل الجديدة، ومستقبل الفضاءات المدنية في فلسطين
تاريخ النشر: الثلاثاء 20/10/2020 09:17
اشتراطات التمويل الجديدة، ومستقبل الفضاءات المدنية في فلسطين
اشتراطات التمويل الجديدة، ومستقبل الفضاءات المدنية في فلسطين

بقلم: عدي أبوكرش
عكفت المؤسسات الأهلية الفلسطينية عبر عقود عملها على تحسين الفضاءات المدنية، وخلق مساحات تفاعلية آمنة للجمهور الفلسطيني، وقد تبلور معظم عملها باتجاه تعظيم الحريات العامة، والضغط بشأن تعزيز سيادة القانون والنظام، وشراكة الجمهور الفلسطيني في صناعة القرار وفي الرقابة على مؤدي الخدمات العامة الى جانب عملها في رصد ومتابعة التعديات على حقوق الانسان، والعنف على أساس خصائص الهوية.
وعملت هذه المؤسسات -باختلاف طبيعة التحفظات على نشاطها- كمحرك تفاعل بين مختلف المكونات المجتمعية، بهدف حماية مصالح جمهورها المستهدف في القدرة في الوصول الى الخدمات العامة،ومناهضة علاقات القوة بين الطبقية، والتوعية الحقوقية، والتمكين والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
عانت المؤسسات الأهلية لاحقاً لنشأتها الأولى عدداً من الأزمات طالت شرعيتها وذلك بوصمها تارة بتبنيها "اجندات" غربية، وبالتالي اللاعضوية في مجتمعها، وتارة بضعف الاثر المتحقق في مقابل المستثمر من الأموال، ومع تنامي الاصطفاف في داخل المجتمع الفلسطيني لاحقاً للانقسام السياسي، أصبحت المؤسسات الأهلية أكثر عرضة للتوصيم، وأقل اثراً في هذا الخصوص، وذلك لوجود خلافات بنيوية، واجتماعية تعيق تدخلاتها المدنية.
وخلافاً لما يجري في الكثير من دول العالم، فقد حظيت المؤسسات الأهلية باهتمام مؤسسات الدولة الفلسطينية من حيث التشريع والممارسة والذي - وان اختلف البعض حوله- برأيي ساهم في ديمومتها وتطورها، فيما كانت اوروبا على وجه التحديد، والشركاء الدوليين يشكلون الركيزة الرئيسية في اسناد القطاع الاهلي مالياً، وتعظيم صوتها في المستوى الدولي، وذلك انسجاماً مع دورهم في منظومة الشرعية الدولية والمتمثل في حماية القيم الديمقراطية، والحريات العامة، والحريات الفردية، والادماج، والتعددية الفكرية.
وعلى الرغم من أن التجارب المختلفة حول العالم، خاصة في اوروبا أوجدت نماذج مؤسسات أهلية تتبع أحزاب سياسية، الا أن المؤسسات الأهلية الفلسطينية حافظت على حيادها واستقلالها عن التبعيات الحزبية والفصائلية، انفاذاً للقانون الفلسطيني، مع احتفاظها بأجندتها السياسية، والانسانية، والتي لا تكاد احداها تخلو من حلم تقرير المصير، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وحرية الانسان الفلسطيني، ورفاهه، وذلك ليس بمعزل عن للقانون الدولي.
شهد قطاع المؤسسات الأهلية في الأشهر القليلة الماضية، صرامة في شروط التمويل، في الوقت الذي تضاعفت فيه الازمات السياسية والاجتماعية في المجتمع الفلسطيني، ما شكل خيبة أمل كبيرة من الحليف، وتضاؤل الامل في مستقبل الاثر المتوقع من هذه المؤسسات، سيما أن هذه الشروط تخلق ثلاث شروخ كبيرة في قطاع العمل الاهلي على النحو التالي:
أولاً. الاستقطاب على أساس الموقف من تلك الشروط، والذي يقود الى تشظي وحدة المجتمع المدني، وايجاد مساحات استقطابية في داخله، وبالتالي اضعاف نتائج تدخلاته، ،
ثانياً: تراجع شرعية المؤسسات في نظر مستفيديها، وهذا سوف يساهم مستقبلا في ضعف الشراكة المدنية ضمن برامج المؤسسات الاهلية، و انحسار المساحات التفاعلية، بين الجمهور الفلسطيني.
وثالثها، الخلافات القانونية على أساس تضارب تلك الشروط مع القانون الفلسطيني.
وهنا لا بد لنا من التفكير عميقاً في انعكاسات تلك الشروط واثارها المتوقعة على المشهد المدني الفلسطيني في المراحل القادمة، والذي بظني سوف يكتنف تلقائياً على انخفاض قدرة المؤسسات الاهلية على العمل مع قطاعات موسعة من المجتمع الفلسطيني، وبالتالي تراجع قدرتها على احداث الوعي الحقوقي المدني، وتراجع قدرتها على الضغط والمناصرة في الفضاء العام، وصعوبة تدخلها في احداث تفاعلات مدنية نتيجة للاصطفاف الحاصل على شرعيتها.
لقد تمتعت المؤسسات الأهلية الفلسطينية، بحرية كبيرة وتصدرت مشاهد تغيير بنيوي، واجتماعي على مدار سنوات عملها، غير أن أي تسيس لعمل تلك المؤسسات يضعها مباشرة في موقع التناقض مع قوى مختلفة، واضعاف حياديتها، ووضعها موضع الطرف الذي يسترعي التحالف معه أو ضده وبالتالي تراجع قدرتها في التأثير ، وتراجع هامش الحرية التي حظيت بها.
برأيي ان الاشتراطات التمويلية الجديدة تعزز من عزلة المؤسسات الأهلية، وتضيق المساحات المدنية، وتزيد من الاستقطاب والتشظي في قطاع العمل الاهلي بصفة عامة، وتفقد هذه المؤسسات مبرر حيادها، بل تزج بها في خضم جدلية (إما /أو) التي كافحتها هذه المؤسسات طوال فترة عملها، ما يبقي القلق الفلسطين، حاضراً فيما اذا كانت اشتراطات الحليف سوف تفتح الباب واسعا امام تسابق اليمينين بشأن تغليظ تلك الشروط في محاولة لكسب ولاءات ناخبيهم ما ينذر بانهيار المجتمع المدني بشكل كامل في المستقبل القريب.
وختاماً لا بد من طرح اسئلة من أهمها، هل تخلى الشركاء الدوليين عن فكرة المجتمع المدني الحيادي غير المحزب؟ أم ان الحليف الاوروبي قد تغيرت أجندته بخصوص التعددية، وحماية حقوق الانسان؟ وهل سنشهد غياب لبعض الممولين الذين تعهدوا بحماية الحلم الفلسطيني في بناء دولته المستقلة على أسس الشرعية الدولية، وماهو الدور الدبلوماسي في شقيه الرسمي والشعبي لحماية منجزات هذا القطاع؟ الاجابة على هذه الاسئلة وغيرها، لا تقع على عاتق هذا المقال، وانما جمهور المتفكرين في حلم الفلسطيني ببناء دولته وتقرير مصيره.

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017