رامي مهداوي
2020-11-28
قررت أن أشرب فنجان قهوة بالشارع ـــ طريق الحسبة ـــ أثناء تسكُعي في شوارع رام الله كي أستمع لنبض الشارع مِن مَن هُم متواجدون فيه وليس من يدعون تمثيله وهم في مكاتبهم!! القهوجي صاحب العربة يسألني: «كيف بتحبها؟ أجيب: سادة. يسألني مجدداً: بوجه ولا بدون؟ أجيب: بدون». أتابعه كيف يغلي القهوة بطريقة خفة يد الساحر بحيث يجعل القهوة تصل مرحلة الغليان لكن دون أن تفور على عربته.
جلست بقهوتي على أحد الأرصفة بمحاذاة القهوجي وعربته بزاوية تُمكنني من مشاهدة حركة الشارع والاستماع لمحادثات من هم عابرون بين الطرقات ومتابعة ترقيص القهوجي لقهوته، مشاهد متعددة وقصص كثيرة أمامي أبطالها جميع المواطنين بمختلف تعريفاتهم المجتمعية والمهنية.
ما بين غليان القهوة التي يعدها القهوجي وغليان الشارع الذي أشاهده بوجوه المواطنين، وجدت أن هناك مقدرة عالية للسيطرة على غليان الشارع كما يسيطر القهوجي على غليان قهوته، فقررت البحث عن الفرق بين الغليان والفوران.
«الغليان هو وصول حرارة السائل النقطة التي يبدأ بعدها بالتقلّب. والفوران هو ارتفاع السائل عن مستواه الطبيعي حتى يتجاوز حده ويطفح بغض النظر عن درجة حرارته ولكن في أغلب السوائل يحصل هذا بسبب الحرارة أيضا».
في الفيزياء، كلاهما هو وصول درجة حرارة السائل إلى الدرجة التي يتحول بعدها إلى بخار. تختلف هذه الدرجة من سائل إلى آخر ومن مستوى ضغط إلى آخر. فمثلا، الماء يبدأ الغليان بدرجة حرارة 100 درجة مئوية على مستوى سطح البحر، ولكن كلما ارتفعنا عن مستوى سطح البحر انخفضت هذه الدرجة لانخفاض الضغط.
الماء بصورة عامة على مستوى سطح البحر لا يفور بسبب الحرارة مع الأخذ بعين الاعتبار بأنه قد يفور لأسباب أخرى. فلو وضعت الماء في وعاء ووضعته على النار، فسوف يصل إلى درجة 100 مئوية ثم يبدأ الغليان، ولو تركته على النار لاستمرّ بالغليان حتى يتبخر كله دون أن يفور. أما الحليب مثلا فإنه يفور بسرعة، فما إن يصل إلى حرارة معينة حتى يبدأ الارتفاع في القدر حتى يطفح القدر وقد ينسكب الحليب من الجوانب.
ما بين العلوم الطبيعية والعلوم السياسية وتطبيقات ذلك على واقعنا الفلسطيني، نجد بأن جميع مكونات المجتمع الفلسطيني بحالة غليان لأسباب كثيرة متنوعة وهناك بالتأكيد عوامل مشتركة بين جميع جزيئاته المشكلة للفسيفساء الفلسطينية، ومع ذلك كله لم نصل إلى مرحلة الفوران، التي قد تساهم في إطفاء النار المشتعلة أسفله!!
هناك قدرة عالية لمن يتحكم بشعبنا الفلسطيني بإيصاله مرحلة الغليان دون فوران، هؤلاء المُتحكمون يستطيعون جعلنا في مرحلة الغليان الدائم وكل جزئية تغلي وحدها وبتحطيم أي مشترك أو ترابط قوي بينهم ما يؤدي الى استنهاض وتشابك الجزيئيات والمكونات جميعاً للوصول الى مرحلة الفوران الجمعية.
أيقظني القهوجي بصوته «وين سرحان يا خال ... هونها بتهون، نص الألف خمسمية... أغليلك كمان فنجان؟؟» أجبته وأنا أضحك «يا عم أغليها... أغليها منيح وخليها تفور، زهقنا غليان خليها تفور...».