إياد جميل دويكات
في ذلك التهديد المشوق هنالك صورتان تدعوان للسخرية أحيانا وللبكاء على حالنا أحيانا أخرى. الصورة الأولى هي أن التهديد وصل بالبريد الإلكتروني من مؤسسة إعلامية تصف نفسها بالمستقلة، مؤسسة إعلامية تهدد كاتبا بسيطا بسبب آرائه التي تصيب ولا تجرح. والصورة الثانية هي وصفي –آنذاك- بالقزم الذي يتطاول على العمالقة، مع ذكر من هم العمالقة الذين تطاولت عليهم في الرسالة! على ما أذكر فأن أيا من هؤلاء العمالقة لم يحظ بأية مساحة من تفكيري في وقت الكتابة. ما يضحكني أكثر هو أن من أرسل لي رسالة التحذير تلك، لم يرق إلى مستوى فهم ما أقصد فأخذه على عمالقته الذين لم يخطروا ببالي أصلا، جدتي كانت تقول "كل وخم في الجماعة يأخذ المعنى عليه".
في معظم ما كتبت انتقدت ممارسات الناس تجاه المؤسسات قبل انتقاد ممارسة المؤسسات تجاه الأمة المسحوقة، انتقدت الفساد في مؤسسات المجتمع المدني قبل الحديث عن الفساد في المؤسسات العامة، انتقدت ثقافة الأفراد قبل انتقاد ثقافة المجتمع. لم أفعل ذلك خوفا من أحد، ولا نفاقا للمؤسسة الرسمية، ولا انتقاما من مجتمع ضعيف بسيط مغلوب على أمره، ولم أتحدث من برج عاجي، قلت رأيي ببساطة متناهية لأنني كالنهر لا أستطيع التوقف عن الجريان في مساري. مع هذا كله، لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى، ذلك لأن هنالك اشباه أناس صناعتهم الأذى وبضاعتهم الإضرار بالناس.
انتقدت تقاليد الزواج البالية وممارساتنا المخجلة في مناسباتنا، حزنت على الشباب الضائعين في الطرقات، حاولت أن أنصف ذوي القصور الجسدي ومساواتهم ببقية أفراد المجتمع، علقت على تقادم التعليم الجامعي ومناهجه البالية، امتدحت الإبداع، دعوت إلى مقاطعة منتجات العدو منذ سنوات وطبقت ذلك على نفسي قبل عقد ونصف من الزمن، تحدثت عن أهمية ثقافة الحوار وقبول الآخر، لكن على ما يبدو فإن الآخر لم يقبلني ولم يتقبل آرائي.
بعد هذه التجربة المتواضعة في الكتابة التي تصل إلى جمهور محدود كما، فإنني توصلت إلى قناعة أن الكاتب في بلادنا هو أشبه بطبيب جراح مطلوب منه أن يقوم بعملية بتر بدون جراحة، أو أن يخرج جنينا في ولادة متعسرة بدون جراحة أيضا. الكتابة هي ألم الكاتب والرأي ممكن أن يتحول إلى ورم في العقل إذا تم كبته. اتركوا لنا مساحة للكتابة قبل أن تصاب عقولنا بالصدأ، دعونا نمارس جنون الكلمة ومارسوا أنتم عقلانية السياسة.
في معظم ما كتبت انتقدت ممارسات الناس تجاه المؤسسات قبل انتقاد ممارسة المؤسسات تجاه الأمة المسحوقة، انتقدت الفساد في مؤسسات المجتمع المدني قبل الحديث عن الفساد في المؤسسات العامة، انتقدت ثقافة الأفراد قبل انتقاد ثقافة المجتمع. لم أفعل ذلك خوفا من أحد، ولا نفاقا للمؤسسة الرسمية، ولا انتقاما من مجتمع ضعيف بسيط مغلوب على أمره، ولم أتحدث من برج عاجي، قلت رأيي ببساطة متناهية لأنني كالنهر لا أستطيع التوقف عن الجريان في مساري. مع هذا كله، لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى، ذلك لأن هنالك اشباه أناس صناعتهم الأذى وبضاعتهم الإضرار بالناس.
انتقدت تقاليد الزواج البالية وممارساتنا المخجلة في مناسباتنا، حزنت على الشباب الضائعين في الطرقات، حاولت أن أنصف ذوي القصور الجسدي ومساواتهم ببقية أفراد المجتمع، علقت على تقادم التعليم الجامعي ومناهجه البالية، امتدحت الإبداع، دعوت إلى مقاطعة منتجات العدو منذ سنوات وطبقت ذلك على نفسي قبل عقد ونصف من الزمن، تحدثت عن أهمية ثقافة الحوار وقبول الآخر، لكن على ما يبدو فإن الآخر لم يقبلني ولم يتقبل آرائي.
بعد هذه التجربة المتواضعة في الكتابة التي تصل إلى جمهور محدود كما، فإنني توصلت إلى قناعة أن الكاتب في بلادنا هو أشبه بطبيب جراح مطلوب منه أن يقوم بعملية بتر بدون جراحة، أو أن يخرج جنينا في ولادة متعسرة بدون جراحة أيضا. الكتابة هي ألم الكاتب والرأي ممكن أن يتحول إلى ورم في العقل إذا تم كبته. اتركوا لنا مساحة للكتابة قبل أن تصاب عقولنا بالصدأ، دعونا نمارس جنون الكلمة ومارسوا أنتم عقلانية السياسة.