تصاعدت نبرة التهديدات الإيرانية خلال الأيام الأخيرة، بالرد على اغتيال العالم النووي الصاروخي الإيراني البارز محسن فخري زادة، آخرها تأكيد القائد العام للحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي اليوم الثلاثاء أن "على الأعداء أن ينتظروا ردنا الحازم"، مشيراً إلى أن إيران هي التي تحدد "كيفية ووضعية الرد".
وخاطب الجنرال سلامي الشعب الإيراني قائلاً "نطمئنكم أن ردنا على اغتيال العالم النووي سيكون قوياً"، حسب ما أورده التلفزيون الإيراني.
ويبدو أن هذه التهديدات المتصاعدة، حسب ما تابع "العربي الجديد"، مدفوعة بقراءة إيرانية من أن التأخير في الرد على الاحتلال الإسرائيلي "المتهم الرئيسي" بالاغتيال، يُفهم أنه "رسالة ضعف" وأنه "لن يحدث"، تعكسها تصريحات جهات مقربة من دوائر صنع القرار الإيراني.
وتؤكد هذه الجهات على ضرورة الرد "سريعاً" من دون تأخير، ومن خلال مهاجمة "إسرائيل".
لكن خيار شنّ هجمات على "إسرائيل" ليس سهلاً وقد يشعل مواجهة عسكرية في المنطقة، وتدفع الإدارة الأميركية إلى التدخل لصالح تل أبيب، خصوصاً أن الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترمب قد يكون متحمساً لحرب كهذه، وفق مراقبين، لتسليم السلطة في يناير/كانون الثاني إلى الرئيس الفائز جو بايدن في أجواء حربية تقضي على أي فرصة لعودة الإدارة الأميركية المقبلة إلى الاتفاق النووي واستئناف المفاوضات مع إيران.
غير أن مصادر تقول لـ"العربي الجديد" إن طهران لا ترغب في إشعال مواجهة عسكرية، "لكنها مضطرة للرد" على "إسرائيل" أيضاً، "لإيجاد معادلة ردع تحول دون ارتكاب هذه الأعمال لاحقاً"، و"لأن عدم الرد يضر بسمعة إيران ويجرّئ إسرائيل أكثر".
وعليه، تضيف المصادر- التي تحفظت عن ذكر هويتها- أن طهران "تبحث عن أهداف إسرائيلية لا تشعل مهاجمتها حرباً"، وفي الوقت نفسه "يكون الهجوم رادعاً"، مرجحة أن إيران هذه المرة "ترد بنفسها"، أي أنها قد لا تلجأ إلى ردود غير مباشرة، سواء فعلتها هي بنفسها أو من خلال "الحلفاء" خلال الفترات السابقة.
وفي هذا السياق، أدلى نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني علي فدوي بتصريحات لافتة اليوم الثلاثاء أثناء مراسم تشييع البرلماني السابق علي أصغر زارعي في طهران، حيث قال، تعليقاً على سؤال عما إذا كان تسلل طائرة مسيرة تابعة لحزب الله اللبناني إلى داخل الأراضي المحتلة جزءا من الرد الإيراني إن "حزب الله إحدى المجموعات في الجغرافية الواسعة للمقاومة وإحدى قواها، وهو نفذ تلك العملية، لكن ذلك يختلف عما سنقوم به"، رداً على اغتيال فخري زادة، حسب ما أورد التلفزيون الإيراني.
وعن توقيت الرد الإيراني، رغم تصريحات إيرانية بعيد الاغتيال يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني بأنه سيكون في "الوقت المناسب"، أكد مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي أمس الاثنين، لدى استقباله وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، أن الرد "سيكون بلا شك أقرب مما يتصوره البعض"، ما يعني أن إيران قد لا تنتظر انتهاء ولاية ترمب في الرد.
وأضاف ولايتي "لن نسمح بأن يرتاح أعداء الجمهورية الإسلامية وأن يواصلوا جرائمهم"، وفقاً لما أوردت وكالة "نور نيوز" الإيرانية. فضلاً عن أن نائب قائد الحرس الثوري الإيراني أكد في تصريحاته، اليوم الثلاثاء، أنه "في أول فرصة يكون ردنا متناسباً وكافياً سنقوم بذلك".
لكن يبدو أن هناك ثمة خلافات بشأن توقيت الرد وطبيعته، إذ إن وجهة نظر الحكومة الإيرانية والمقربين منها تبدو مختلفة، فهم يرون أن عملية الاغتيال "فخ" إسرائيلي لجرّ طهران لمواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، مع التأكيد أن طهران "لن تلعب في ملعب بنيامين نتنياهو"، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي.
وفي وقت سابق، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن "جريمة اغتيال العالم فخري زادة لن تبقى من دون رد"، غير أنه قال إن الثأر "سيكون في الوقت المناسب"، مؤكداً أن بلاده "أذكى من أن تقع في فخ مؤامرات الكيان الصهيوني".
وتابع أن "الأعداء يحاولون استغلال هذه الأسابيع أشد الاستغلال"، في إشارة إلى الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وأضاف روحاني "ليعلم الصهاينة أن مخططاتهم مكشوفة لنا ولن ينجوا في تحقيق أهدافهم الخبيثة". وكشفت هذه التصريحات أن الحكومة الإيرانية ترى في الرد على إسرائيل خلال الأسابيع المتبقية لولاية ترمب وقوعاً في الفخ الإسرائيلي.
غير أن هذا الرأي الحكومي لا يبدو أن له وجاهة لدى الحرس الثوري الإيراني، حيث انتقد نائب قائد الحرس الثوري علي فدوي اليوم الثلاثاء، في معرض الرد على سؤال للتلفزيون الإيراني عما إذا كان اغتيال فخري زادة "فخ لإثارة التوترات" التصريحات التي ذهبت بهذا الاتجاه، قائلاً إن الاغتيال "ليس فخاً للتوتر بل هو التوتر نفسه، وإن معاداة أميركا والصهاينة للثورة الإسلامية هي عين التوتر المستمر منذ 41 عاماً".
كما قال فدوي في السياق إن "أولئك الذين ليست لديهم البصيرة ينبغي لهم ألا يقبلوا بالمسؤوليات"، مشيرًا إلى أن "البعض أثبتوا أنهم لم يكونوا مستحقين لتولي مسؤوليات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، متسائلاً "لماذا يصرون على تولي هذه المسؤوليات للوقوع بأنفسهم في جهنم؟".
وكان فخري زادة أبرز العلماء الإيرانيين في الأبحاث النووية والدفاعية والصاروخية، قد اغتيل يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني بالقرب من العاصمة طهران.
واتهمت السلطات الإيرانية الاحتلال الإسرائيلي رسمياً بالوقوف وراء حادث الاغتيال، مع اتهامات أخرى للولايات المتحدة والسعودية بالتعاون معه، ومنظمة "مجاهدي خلق" المعارضة بالمشاركة في التنفيذ.
المصدر: العربي الجديد