عمان – على ساحة شاشة صغيرة، في عالم افتراضي أزرق، تعرضت مترشحات لمجلس النواب التاسع عشر، إلى تنمر واضح وملموس، يبدأ من التفاعل بـ”أضحكني” على صورهن، ويصل إلى نعتهن بشكل صريح بصفات سيئة، والتهكم على أشكالهن وسلوكهن، فهل كان لهذا التنمر الإلكتروني، أثر في نتائج الانتخابات النيابية؟
روان بركات إحدى المترشحات لـ”انتخابات 2020″، اللواتي لم يحالفهن الحظ، تعرضت لتنمر بشكل واضح، ووصفه الكثيرون بالمؤذي، فإلى جانب التنمر عليها كونها امرأة، واجهت تنمرًا كونها من ذوي الإعاقة البصرية.
تقول بركات “لقد توقعت أن أتعرض للتنمر، أثناء حملتي الانتخابية كوني امرأة، ولكنني لم أتوقع أن أتعرض له بسبب إعاقتي الجسدية، مضيفة “التنمر الذي واجهته، أكد وجهة نظري فيما يخص ضرورة رفع الوعي عند الناس، لأن قلة الوعي وانحدار التعليم هما السبب في زيادة التنمر”.
وتعد جمعية معهد تضامن النساء الأردني “تضامن”، في تقرير، أن الإساءة التي تعرضت لها بركات، إساءة مزدوجة؛ فهي من جهة تنمر وإساءة كونها امرأة ترغب في ممارسة حقها في الترشح، وتنمر وإساءة إضافية كونها ذات إعاقة بصرية، ومن حقها العيش في بيئة دامجة لكل فئات المجتمع من جهة ثانية.
ويوضح التقرير “تُعاني النساء ذوات الإعاقة أكثر من الرجال ذوي الإعاقة من الحرمان في الحصول على سكن لائق وخدمات صحية وتعليم وتدريب مهني وأجهزة مساعدة، ويعتمدن أكثر منهم على مؤسسات الرعاية، ويتعرضن للتمييز في مجال العمل، وأنهن أكثر عناصر المجتمع تعرضًا للتهميش والضرر، حيث يعشن أسيرات التقاليد والأعراف الاجتماعية، وتضيق أمامهن فرص الزواج وتكوين الأسر، والاستفادة من خدمات التأهيل، والمشاركة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية”.
وتؤكد بركات أنها ردت من خلال منصات التواصل الاجتماعي على كل المسيئين لها، فتقول: “لقد استخدمت الوسيلة نفسها التي استخدموها، وأثبتت وجهة نظري، ولم أتوجه لعقوبة قضائية، لأنها لا تجد قانون الجرائم الإلكترونية مناسبًا”، مشيرة إلى أنها اتخذت من هذه الإساءة حافزًا للمتابعة والاستمرار في نشاطها الحقوقي والاجتماعي، أما على صعيد الانتخابات فلا تعتقد أن هذا التنمر قد غيّر من النتيجة.
إلى ذلك، تبين دراسة أعدها مركز راصد حول التنمر الإلكتروني على السيــدات الناشطات في وسائل التواصــل الاجتماعي، أن 60.4 % من النساء يشعرن بالأذى من التنمر الإلكتروني، و54 % منهن يعتقد أن الذكور هم من يقومون بهذا التنمر.
وتشير إلى أن 60.8 % من السيدات يعتقدن أن هنالك مواقف تبرر للرجال على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما إذ قامت السيدات بالمواقف ذاتها ينتقدن عليها، ويعتقد 40.7 % منهن أن المنظومة السائدة التي يتم الحكم من خلالها على السيدات عبر مواقع التواصل هي نظرة المجتمع للدور النمطي للسيدات في تولي أدوار سياسية، اقتصادية، أو اجتماعية.
الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، سلمى النمس، تصف تأثير التنمر الإلكتروني في الانتخابات النيابية ” بانه لم يكن تأثيرا مباشرا على التصويت، وإنما كان الأثر السلبي الأول والمباشر في المترشحات.. نفسياتهن وموقفهن تجاه الترشح أو المشاركة السياسية”.
وتتابع “ان التنمر الإلكتروني له دور ملموس في عزوف النساء عن المشاركة السياسية، مشيرة الى ان التنمر على المرأة في هذه المواقع، يبدو كاتجاه عام يتخذه المجتمع من أجل حصر المرأة في زاوية معينة، واستضعافها، وانتهاك مشاعرها وخصوصيتها، وربما استخدام سلوكات قد تطال سمعتها ومكانتها الاجتماعية، وحياتها الخاصة”.
وتُعبر النمس عن عدم رضاها عن قانون الجرائم الإلكترونية الحالي، قائلة “قانون الجرائم بوقته الحالي يستخدم بالإغلاق على حرية التعبير، ونحن بحاجة لقانون مدني، يشتمل على تعريفات واضحة للكراهية والخطاب العنصري، وأن يتم استخدام عقوبة التعويض، بالاستناد الى أدوات تشريعية أكثر وضوحاً”.
وبين انه قانون لا يشكل رادعًا حقيقيًا لوقف التنمر الإلكتروني على الناشطات السياسيات، وثقافة مجتمعية، تضع المرأة في قوالب معينة وتحصرها في صورة نمطية، تظل المطالبات متكررة والتساؤل مستمر، حول إجراءات حقيقية، وبناء وعي صلب، لا يخيف المرأة من ممارسة أي من حقوقها السياسية، خوفاً من الشتائم أو الإساءة.