تخرجُ أم جميل وهي في أواخر العقد الرابع من عمرها، كل صباحٍ من البيت، تجلسُ خلف مقود سيارتها الأجرة، وتنطلق في شوارع اللاذقية، تسعى خلف رزقها، لتعود في نهاية اليوم بما يكفيها وأولادها عن سؤال الناس.
العالم-منوعات
أم جميل ربّة أسرة، ومثالٌ حيٌّ على أنها من الأشخاص الذين يستحقون الحياة وتستحقهم، يرفضون الاستسلام للظروف والجلوسَ مكتوفي الأيدي، يعملونَ ما استطاعوا، ليمنحوا أبناءهم حياةً كريمةً لا يحتاجون فيها عوناً من أحد.
طُلِبَ زوجها للخدمة الاحتياطية منذ 4 سنواتٍ، وهي أمٌّ لـ 3 أولاد، أكبرهم في الصف التاسع، وأصغرهم في المرحلة الابتدائية، قررت أن تعمل وتتحدى ظروف الحياة القاسية، لتعيل أبناءها في غياب والدهم، وتكفيهم حاجاتهم وشر سؤال الناس.
وعن عملها، تقول أم جميل لتلفزيون الخبر “لم أكن أفكر يوماً في العمل بعد زواجي، فتأمين احتياجات العائلة كان مسؤوليةً حملها زوجي على عاتقه، ولكن طُلِبَ زوجي للخدمة الاحتياطية، وبعد مغادرته أصبحتُ المسؤولة المباشرة عن البيت والأولاد”.
وأضافت أم جميل “في ظل غلاء الأسعار وصعوبة تأمين لقمة العيش، لم تكن مهمة إعالة العائلة سهلة، فزوجي يملكُ سيارة أجرة (تكسي)، كان يعمل عليها قبل التحاقه، فكنت أنظر إلى السيارة كل يوم ويؤلمني مشهدها مركونة أمام المنزل ونحن في أمس الحاجة إلى موردها المادي”.
وتابعت أم جميل “فكرت في نفسي لماذا لا أعمل في قيادتها، وأنفع عائلتي بما تعود علينا به، صحيح أنني امرأة وهذا العمل في منظور المجتمع لا يناسب المرأة، لكنه عمل شريف، والعمل الشريف خير من سؤال الناس”.
وقالت “صممت على تحدي العادات والتقاليد غير مكترثة بكل من حاول إحباط العزيمة داخلي، وغير مبالية بالألسنة التي تجزم بعدم جواز عمل الأنثى كسائقة لسيارة أجرة.”
وأضافت “قمت بقيادة السيارة ولا زلت أعمل عليها حتى اللحظة، أُقلُّ فيها ركاباً من الرجال والنساء، وأشعر بالسعادة والرضا عندما أعود من عملي وفي يدي كل احتياجات المنزل والأولاد”.
لم تتعرض أم جميل لمضايقات تذكر خلال عملها، ويعتبرها الكثير من الناس الذين تقلّهم قدوةً، فيشجعونها على ما تعمل، بينما هنالك فريق آخر “لم ولن يتقبل هذه الفكرة” حسب تعبيرها، ولكنها تجلس خلف مقود السيارة كل صباح وتسعى خلف رزقها، غير مكترثةٍ بآرائهم، فإنها تعمل، لأن العمل عبادة وفخر وشرف.
وتقول أم جميل “يسعدني أنني قدوة لكل من يريد مجابهة الحياة، وأدعو جميع النساء إلى العمل دون الاكتراث إلى كلام الناس، فالأشجار المثمرة فقط هي التي تضرب بالحجارة.”
يذكر أن مهنة قيادة سيارات الأجرة، باتت خلال سنوات الحرب، وجهةً للكثيرين من حملة الشهادات الجامعية الذين لم يجدوا عملاً مناسباً لتخصصاتهم، ولِعدد من النساء اللواتي رفضن أن يستسلمن للحاجة في غياب من يعيلهنّ.