نابلس من سنابل صالح -اصداء
من بين ثنايا هذه الأزقة القديمة تفوح رائحة تاريخ عربي أصيل، وتنبعث من عمق هذه الحجارة حكاية شعب صامد مقاوم حافظ على أرضه ووطنه وفضل الموت فيها على الرحيل أو الاستسلام.
بموادٍ بسيطةٍ كالحصى -والرمل وقشور الصنوبر والصلصال صممت المهندسة نورا جردانة مشروعين يحاكيان مدينة نابلس ثالث أقدم مدينة تاريخية في العالم عبر حقبتين زمنيتين مختلفتين، وتوضح نورا لموقع اصداء " المشروع عبارة عن سلسلة مجسمات عملنا عليها لتروي تاريخ نابلس عبر فتراتها الزمنية المختلفة، وبدأنا بمجسم للبلدة القديمة بالحارات الستة التي تحويها مع إبراز لأهم المعالم التاريخية الموجودة فيها ، وتبع هذا المجسم عدة كتيبات خاصة بكل حارة وبأهم المعالم التاريخية الموجودة فيها بالإضافة إلى كتيبات تعريفيه للأطفال"
أما المجسم الثاني فهو لمدينة شكيم _نابلس بنشأتها الأولى الكنعانية_تل بلاطة اليوم والتي يعود بناؤها إلى 5آلالف عام، ويوضح المجسم الأسوار والأبراج الدفاعية التي كان يلتجأ إليها الكنعانيين عند تعرضهم للغزو والهجوم.
وقبل البدء بمرحلة التصميم فإنه يسبق ذلك رحلة طويلة من البحث والدراسة المتعمقة في كل حقبة زمنية وخصائصها وجمع الصور والخرائط المتعلقة بها حتى يتم بعد ذلك إنتاج كتيبات مرافقه للمجسم تشرح كل فترة زمنية على حدا الأمر الذي يسهل عملية التصميم وإنتاج مجسمات تحاكي الفترة الزمنية كما هي، فعلى مدار عامين ونصف عملت جردانة على تصميم مجسمين ضمن المشروع الذي كان ثمار تعاون بين بلديتي نابلس وليل الفرنسية الهدف الرئيسي منه التعريف والتوعية بالموروث الثقافي.
وتوضح لنا نورا بأن كل مشروع له حاله خاصة، فالمجسم الأول الخاص بالبلدة القديمة لم يأخذ وقت طويل نسبيا كباقي المشاريع والسبب في ذلك يعود إلى أن المعلومات متوفرة حيث أن البلدة القديمة موجودة وقامت بالكثير من الزيارات الميدانية وكان هناك الكثير من الصور المتوفرة فلم يكن من الصعب الحصول على معلومات عن المدينة وتاريخها بالمقارنة مع مجسم تل بلاطة الذي أخذ مرحله من البحث والدراسة خاصة على الخرائط.
وهذا العام استغلت نورا الحالة الغير اعتيادية التي يمر بها العالم أجمع بسبب فايروس كوفيد19 وما صاحبه من حجر منزلي وبدأت العمل على تصميم مجسم ثالث يحاكي الفترة الرومانية لنابلس التي عرفت ب نيابولس التي أنشأها الرومان في العام 72 ميلادي، وتعتمد نورا في هذا المجسم الكرتون كمادة أساسيه في البناء، وتوضح لنا عن هذا المجسم" هذه المرحلة كانت الأصعب لأن الفترة الرومانية التي تعد أكثر فتره أخذت جهد في البحث والدراسة وأيضا أخذت جهد في نوعية اختيار المواد والخامات المستخدمة طبقا للتفاصيل الأكثر ونظام العمارة الذي كان سائد فيها فإذا استخدمت نفس المواد التي استخدمتها في المشروعين السابقين ستخفض من جمالية المشروع فكان هناك دراسة أخرى على اختيار المواد والخامات وملاءمتها"
وعن المواد التي تستخدمها نورا لكل مجسم فتخبرنا" أول مجسمين استخدمت مواد جدا بسيطة ومتوفرة (حصى، رمل) والمجسم الثالث (خشب، كرتون، مواد لاصقه) أشياء لا تتعدى هذه المواد البسيطة الأولية، وتتابع" اختيار المواد لم يكن سهل لأنه عليك أن تختاري مواد تعملي بها وتنتجي مجسم يروي حقبة تاريخيه وتكون النظرة الأولى للمشاهد لها فيعلم أنها مجسم تاريخي وليس مجسم حديث أو يتحدث عن مدينه حديثه"
استُخدمت المجسمات التي صممتها نورا كدليل سياحي لمن يريد التعرف على مدينة نابلس وتخبرنا نورا بأن هذه المجسمات حققت نتائج وأهداف رائعة جدا ونشرت الكثير من الوعي وكشفت عن أن الكثير من الناس يهتم بأن يتعرف على هذا التاريخ وينقله لأطفاله.
أما عن الجانب السياحي للمشروع فتقول نورا" في الأربع سنين الماضية بدأنا نلمس تغيير على الناس وأصبح لديهم حب فضول للتعرف على المباني والمعالم التاريخية الموجودة وهذا كله يدفعهم للتوجه إلينا في المركز للتعرف وأخذ الشرح التاريخي عن الموضوع ونظمنا أيضا الكثير من الجولات داخل البلدة القديمة للتعرف على معالمها سواء لسكان المدينة نفسهم أو للزوار(سياحة داخليه أو خارجية)"
من جانبه يرى مدير مركز تنمية الموارد والمجتمع أيمن الشكعة أن هذا المشروع تكمن أهميته "بأنه يروي تاريخ مدينة نابلس من خلال المجسمات الوسيلة الأوضح وتوصل الفكرة أسرع من أننا نتحدث الكلام ويعطي الزائر أو المشاهد صورة الواقع وبالتالي ترسخ في ذهنه أكثر بكثير من الحديث أو قراءة كتاب"
ويؤكد الشكعة على أنه "هناك تأثير على كل من شاهد المجسمات وتعرف على الفرق عندما يرى كيف كانت المدينة في هذه الحقب التاريخية وهذا التوضيح مهم جدا حتى نوضح الصورة للزائر سواء المحلي أو الأجنبي ماذا كانت هذه المنطقة وما هي الحضارات التي كانت تحويها "
ويخبرنا الشكعة عن نيتهم وضع المجسمات الثلاث التي تحاكي المدينة في المتحف المقرر افتتاحه عقب انتهاء جائحة كورونا ليستفيد الجميع منها ويطلع على تاريخ نابلس والحضارات المتعاقبة عليها.