تقرير سنابل صالح
أثناء تجولك في هذه السهول الخضراء، يخطف نظرك طريق ترابي يُخيّل للناظر إليه للوهلة الأولى أنه يوصل إلى منطقة مهجورة_ لا أحد يسكنها_، لكننا في تجوال أصداء اليوم سلكنا هذا الطريق ووصلنا إلى أناس يتجرعون الظلم والقهر ومرارة العيش لكنهم رغم ذلك متمسكون بأراضيهم ويرفضون مغادرتها مقابل الأموال الطائلة.
دخلنا هذه المنطقة المعروفة ب "خربة يرزا" التي تقع على بعد 10 كيلو متر تقريبا إلى الشرق من مدينة طوباس يربطها طريق زراعي متوسط الوضع، قابلنا أهاليها البسطاء، رقيقي القلب، أهلوا ورحبوا بنا، فرحوا لقدومنا وبدأوا يحدثوننا عن حياتهم.
يعيش الناس في هذه الخربة حياة بدائية بسيطة يعتمدون على تربية المواشي والزراعة البعلية، لا كهرباء ولا تتطور، المياه قليلة ، الخدمات الصحية والتعليمية معدومة، القليل من الخلايا الشمسية تخزن الأشعة لتضيء بعض الكشافات ليلا لكنها لا تدوم لفترات طويلة _بحسب أهالي الخربة_ أهالي الخربة ممنوعون أيضا من أي تطوير أو تحديث لحياتهم وأي بناء يتم إنشاؤه يتم هدمه خلال أسبوع أو عشر أيام من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
يحدثنا رئيس مجلس قروي يرزا مخلص مساعيد" الخربة فيها 16 عائلة عدد سكانها حوالي مئة نسمة"
يتابع" إجراءات الاحتلال عملت على تهجير سكان المنطقة من أراضيهم، لا زالت الخربة وأهاليها يعانون من ممارسات الاحتلال شبه اليومية والتي كان آخرها قبل ثلاث شهور حيث تم هدم مسكنين في الخربة وقبل ستة أيام تم إخطار مسكنين آخرين كانا بديلين عما هدم قبل ثلاثة أشهر "
سكان الخربة منهم من استشهد ومنهم المصاب بفعل ممارسات وتدريبات الاحتلال ومخلفاته العسكرية في المنطقة والتي أدت أيضا إلى نفوق عدد كبير من الثروة الحيوانية، إخطارات شبه شهرية، المراعي الموجودة في المنطقة شبه محمية و ممنوعة على أصحاب الأغنام بسبب التدريبات العسكرية، وبحسب الباحثين فإن سكان المنطقة أصليين ومالكين للأراضي ومعهم أوراق الطابو لكن كل هذه الأوراق الثبوتية والرسمية لا تمنع ممارسات الاحتلال عنهم (الهدم والتدمير والتخريب)
من جانبه يحدثنا أحد سكان الخربة الحاج الثمانيني نعيم مساعيد "عرضوا علي العيش في رام الله ولم أرضى، لأنه الأرض لنا عن أب وجد، أجدادنا سكنوا هذه الأرض من 2000 سنة، وطبعا عندما تترك أرضك يعني ليس لك وطن، الحياة صعبة لكن الناس لا يتحملون أن تقعد في أرضهم وهذا الكلام علمته لأولادي وأحفادي "
يتابع"عرضوا علينا مليون ومليونين شيكل لنرحل، عرضوا علينا الدونم بخمسة ونرحل، قضينا سنه كاملة في المحاكم"
وتساءل الحاج أمامهم إذا كانت الأرض لهم ويريدون إعطائه إياها؟ الجدير ذكره أن منزل الحاج مساعيد هو البيت الوحيد المرخص في المنطقة .
وخلال حدثينا مع الحاج وزوجته علمنا إصابته برصاصة عندما كان يحرث أرضه، وزوجته الأخرى أصيبت عندما كانت تنظف أمام منزلها وأصبت برصاصه في الجانب الأيمن من جسمها، عدا عن ذلك استشهد نجلهم في التاسعة من عمره عندما وجد جسم مشبوه من مخلفات الاحتلال لعب به الأولاد اتضح بعد ذلك انه قنبلة وانفجرت
تقول زوجته _أم مخلص_ "أنا متحملة الحياة بصعوبة بس الحمد لله أنا راضيه رغم كل الصعوبة إحنا مبسوطين وصابرين الحمد لله"
من جانبه يحدثنا الباحث في قضايا الاستيطان وأحد سكان الخربة عمر عينبوسي" هذه الأسرة تمثل نموذج من نماذج المعاناة التي يعيشها أهالي الأغوار رب الأسرة مصاب زوجته أيضا مصابه نتيجة التدريبات العسكرية وابنهم شهيد نتيجة مخلفات التدريبات العسكرية، حتى أن الثروة الحيوانية في يوم من الأيام تم أسرها ودفعوا عليها مبالغ طائلة وكأنهم اشتروها من جديد ونحن في منزلنا حاولنا إنشاء مزرعة نموذجية ولكن خسرنا أموال طائلة رغم حصولنا على بعض القرارات الاحترازية "
ويضيف "نحن لا نعيش حالة من الأمن لأن الاحتلال يتجول داخل مساكننا يقتحمون البيوت أثناء نومنا الساعة الواحدة ليلا، وأحيانا يتعمدون إطلاق النار على منازلنا بشكل مباشر، أخي تعرض للإصابة برصاصة في ظهره عام 2001 أثناء نومه أمام المنزل وما زالت الرصاصة في ظهره بسبب خطورة وضعها فيخشى إزالتها التي تسبب له مضاعفات صحية ومثله الكثير فحوالي ست حالات مصابين في الخربة لازالت الرصاصات في أجسامهم"
يتابع "من أهم الممارسات التي تقوم بها سلطات الاحتلال تدمير المزروعات والمساكن وحرمان المواطنين من التنقل، وحرمانهم من التعليم والصحة بفعل عدم وجود إمكانيات لبنية تحتية تساهم وتساعد في تطوير هذه الخدمات وهذه المناطق معظمها ضمن تصنيف ( c) ضمن اتفاقيات أوسلو، و كل هذه الممارسات أدت إلى تضاؤل وتقلص عدد السكان في الأغوار"