الرئيسية / الأخبار / فلسطين
"مقام النبي موسى" إرث تاريخي إسلامي يقاوم الاندثار
تاريخ النشر: الخميس 28/01/2021 08:42
"مقام النبي موسى" إرث تاريخي إسلامي يقاوم الاندثار
"مقام النبي موسى" إرث تاريخي إسلامي يقاوم الاندثار

تقرير:سنابل صالح
أبواب حديدية عالية الارتفاع، صلبة قاسية، سور يحيط به، قباب ومآذن مرتفعة، هذا ما ستشاهده فقط إذا وفقت في منطقة محيطة بمقام النبي موسى عليه السلام، لكن مع أولى خطواتك إلى الداخل تتخلل إليك مشاعر مختلطة، مابين رهبة وعظمة هذا المكان والهدوء والسكينة التي تعم قدسية المكان لاسيما المناظر الخلابة والإبداع في البناء.
هنا أنت في مقام النبي موسى عليه السلام والذي يقع إلى الجنوب من أريحا بحوالي 10كم، ويبعد عن العاصمة القدس الشريف 28 كم شرقاً، ويعتبر هذا المقام من أكبر المقامات التي تحويها فلسطين، فهو يحتوي على حوالي 120 غرفة موزعة على ثلاث طوابق، في المقام يتنبه الزائر للبعد التاريخي وجمال العمارة الإسلامية عدا عن القدسية والنفحات الإيمانية التي تعم المكان.
موسم النبي موسى:
دعونا نعود إلى البدايات الأولى التي نشأ منها المقام، فبحسب الروايات التاريخية كان موسم النبي موسى
يحدثنا في هذا الجانب الباحث التاريخي غسان دويكات" أول من ابتدع هذا الموسم هو القائد صلاح الدين الأيوبي بعد انتصاره في معركة حطين، وكان له عدة غايات وأهداف، وبشكل عام استخدم المكان كدعاية وكرافعة لهمم الناس ولشحنها من أجل أن يبقوا على أهبة الاستعداد في ظل التواجد الصليبي"
ويتابع" أنشا صلاح الدين الأيوبي المواسم وهي عبارة عن تجميع الناس من كل أنحاء فلسطين وتكون كل مدينة لها موسم خاص بها، ولأن القدس منطقة الوسط في فلسطين تتجمع الناس في هذا المقام ويشكلون حلقات ذكر وقراءة قران من أجل خلق انطباع أن المسلمين على استعداد دائم لأي طارئ ممكن أن يقوم به الصليبيون"
من جانبه يضيف المدير العام لموقع مركز التاريخ الفلسطيني الدكتور مروان الأقرع " في عشرينيات القرن الماضي كان الناس يأتون إلى هذا المقام كل عام في شهر نيسان وتتنافس مختلف المدن الفلسطينية في العدد وفي الحجم وفي البيارق التي كانت تحملها، مدينة نابلس، مدينة الخليل، مدينة يافا...، جميع المدن الفلسطينية كانت تأتي إلى المسجد الأقصى المبارك ومن ثم يكون الانطلاق إلى هذا المكان، وكانت تعمه الأهازيج والدبكات الشعبية، وكانوا يمزجون بين التراث الشعبي الفلسطيني وبين الأمر الديني"

تاريخ عريق:
يجمع كل من يرى المقام بتاريخ عريق عاصره، وأناس عظماء اعنتوا به وحافظوا عليه، فوفقاً للباحثين فإن عمر هذا البناء حوالي775 عام، يقول دويكات" معظم الروايات تؤكد أن الموقع تم تأسيسه على يد القائد الظاهر بيبرس في العام 1269ميلادي، فبعد عودته من رحلة الحج جاء إلى هذه المنطقة وعندما رأى أنها ملئيه بالأديرة والمواقع المتعلقة بالفرنجة هدم أكثرها وأنشأ هذا البناء"
وضيف" طبعاً لم ينشأ البناء بهذا الشكل الموجود عليه حالياً، هو أنشأ في البداية غرفة على ضريح سيدنا موسى، وأنشأ غرفة أخرى استخدمت كمسجد"
العمارة الإسلامية:
عن جمالية نظام البناء الذي يقوم عليه المقام يحدثنا المختص بالعمارة والبناء المهندس سامر المصري" العمارة الإسلامية تميزت بشكل مختلف عن مثيلاتها من الحضارات الأخرى من الناحية العمرانية والبنائية ، فهي مرت بثلاث مراحل من العمارة وكان لكل واحدة منها مميزاتها وصفاتها الخاصة البسيطة ، وكانت في العهد الأول من الإسلام ومن ثم في العهد الأموي ومن ثم العهد العباسي ومن خلال الحقب هذه خرجت العمارة الإسلامية بمضامينها وأشكالها وأفكارها المختلفة"
من جانبه يقول دويكات" إذا أردنا تصنيف هذا البناء وننسبه لفترة إسلامية فكل المصادر والنقوش تأكد أنه مملوكي بامتياز، مر بعدة مراحل مرحلتين رسميتين موثقتين، مرحلة التأسيس والبناء على يد الظاهر بيبرس، وأيضاً بعد 1269 حتى 1470 هذا الفترة الثانية الغير رسمية المتطوعون من أهل الخير من أهل فلسطين قاموا بعدة إضافات على هذه الأبنية ولا تذكر المصادر تاريخ محدد أو أسماء الأشخاص الذين قاموا بذلك.
أما المرحلة الرسمية الثانية بدأت في العام 1470 واستمرت عشر سنوات حتى العام 1480 ،أيضا في العهد والفترة المملوكية الثانية أضاف المماليك عليه ثلاثة أروقة جديدة مع القباب، و لاحقا استمرت الإضافات والترميم والتعمير خلال العهد المملوكي المتأخر من ضمنها كان السور الذي يحيط بالمقام ويحتوي على خمسة أبواب ، أما في العهد العثماني فإن خط الترميم والإصلاح المملوكي استمر به العثمانيون فأضافوا 23 غرفة تحولت فيما بعد إلى غرف للسكن، وكانت فترة المشروع من 604 حتى 1609 ميلادي حفروا بئرين وبلطوا الساحة الخارجية وأزالوا الحجارة الزائدة من حول قبر المقام وتذكر المصادر أن حوالي خمس أو ست مراحل قام العثمانيون من خلالها بما يلزم من ترميم"
يتابع المصري" الذي يأتي إلى المقام هنا يلاحظ مدى الاهتمام بهذا المقام من الناحية المعمارية وناحية البناء والتشييد، وان كنت أنا أظن من خلال مشاهدتي لبعض الأروقة والمناطق في هذا المقام وجود بعض الآثار التي قد تكون أقدم بكثير من المملوكيين، واضح أن المماليك هم سيطروا في عمارتهم على هذا المقام وأضافوا عليه إضافات كبيرة جدا وملحوظة وبالتالي العنصر المملوكي هو المسيطر في هذا الموضوع، الايوانات، الساحات المكشوفة، الغرف المتعددة، والمسجد، والآبار، وجود المقبرة في خارج الأسوار، طبعا هناك إضافات أخرى أضافوها مثل المخبز والمطبخ وغيرها من الأمور حتى يساهموا في تسهيل أمور الحجاج الذين كانوا يأتوا إلى هذه المنطقة ويقيمون لمدة سبع أيام تقريبا في موسم النبي موسى"
"الايوانات كانت رمزية في العمارة المملوكية وتميزت بكثرتها، الايوانات التي تطل عموديا على الساحات المكشوفة ، المآذن فهذه المئذنة واصح فيها جدا العنصر المملوكي إذ إن معظم المآذن المملوكية كانت مربعة الشكل ومن ثم يعلوها الشكل المثمن أو المضلع بأشكاله بطريقة معينة وان كانت هذه المئذنة مئذنة بسيطة ويعتقد أيضا من خلال الكتب والباحثين أنها أضيفت لاحقا على هذا المكان"
ويضيف المصري" الذي يميز العمارة المملوكية بشكل أدق أنها كانت متعددة الاستخدامات بمعنى أن العمائر المختلفة كانت مثلا مسجد مدرسة...فالوظيفة التي كانت تؤديها واضحة، أما هذا المكان يعطي رسائل متعددة في عملية الاستخدام يعطي رسائل سياسية، رسائل اجتماعية، رسائل سياحية، رسائل اقتصادية... وهذا الجزء المهم فيما يميز هذا المكان الرائع الجميل وسط الصحراء بحجارته التي تتناغم مع هذه البيئة وفي قببه التي تحاكي قمم الجبال في فلسطين"
مقامات مجاورة:
يقع إلى جانب مقام النبي موسى عدد من المقامات الأخرى مثل مقام عائشة الذي يقع شرق مقام النبي موسى بحوالي 200 متر، وعائشة حسب ما تذكر المصادر هي امرأة صالحة ذاكره لله متعبدة توفيت في بداية القرن العشرين وقام زوجها كنوع من التقدير والاحترام ببناء هذا المقام لها تحديداً في الفترة الواقعة بين 1918 والعام 1928.
وفي الجنوب الغربي لمقام النبي موسى يوجد مقام الراعي، وحسب ما تقول الروايات فهو الراعي حسن راعي أغنام سيدنا موسى وتذكر المصادر أن هذا المقام أنشئ خلال العهد العثماني.
تحت رعاية وزارة الأوقاف:
عن المقام وأهميته الدينية يقول مدير مقام النبي موسى الشيخ نوح الزغاري " هذا المكان مكان ديني تاريخي، نحن مسئولون عن إدارة هذا المكان وعن تشجيع الناس لزيارته بهدف إعماره والحفاظ عليه، ونحن معنيون بشكل جمعي كل شرائح وفئات المجتمع إعمار هذا المكان وزيارته، ونحافظ على هذا التراث التاريخي الديني الوجداني، له مكانة وجدانية وروحيه في قلوبنا نحن أبناء الشعب الفلسطيني، وعندنا وسائل كثيرة تشجعنا على إعمار هذا المكان عن طريق تشجيع زيارات المدارس والجامعات والمعاهد والجمعيات الخيرية والنوادي ولدينا اقتراحات ونوايا إن شاء الله بإقامة دورات هنا لمعهد إعداد الدعاة والمعاهد الشرعية وكليات الدعوة الإسلامية كذلك بأن تأتي وتعطي المحاضرات هنا معنيين بكل الوسائل تحفيظ القران ختام مسابقات تحفيظ القران تكون هنا لأنه هنا نحن نعيش في عبق التاريخ "
 

 

المزيد من الصور
"مقام النبي موسى" إرث تاريخي إسلامي يقاوم الاندثار
"مقام النبي موسى" إرث تاريخي إسلامي يقاوم الاندثار
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017