البروفيسور إبراهيم أبو جابر
تعصف بالمؤسسة الاٍسرائيلية منذ سنتين وأكثر أزمة سياسية خلقت مناخًا مختلفًا عمّا سبق، جعلتها فاقدةً الاستقرار السياسي، لا بل تجنح نحو نوع من الفشل سياسيًا، لكن قوة مؤسسات الدولة العميقة بكل أذرعها وتخصّصاتها هي صمّام الأمان والدرع الواقي لها.
اٍنّ ظاهرة عدم الاٍستقرار السياسي هذه واٍجراء انتخابات الكنيست للمرّة الرابعة خلال سنتين تقريبًا، وما يعنيه ذلك من إسرافٍ للمال العام، وإبقاء البلاد دون ميزانيات، وازدياد نسبة الاٍنفاق الحكومي، وتضخّم العجز المالي الذي اقترب من 200 مليار شاقل، كل ذلك ينذر-إن استمر- بدخول المؤسسة الاٍسرائيلية في نفق مظلم، وصراع على السلطة لا يعرف أحد نهايته.
تذكّر الحالة الإسرائيلية هذه القارئ بما حصل في بعض الدول ومنها العربية مثل الصومال ولبنان والعراق وغيرها، التي جعلت منها دولًا فاشلة سياسيًا، أي عجز الحكومات في إدارة شؤون البلاد.
اٍن مردّ الأزمة داخل المؤسسة الاٍسرائيلية تعود إلى مجموعة من القضايا والتراكمات منها:
أولًا، حكم الفرد الواحد (نتنياهو)، أي استفراده بالسلطة وتقزيم خصومه السياسيين من حزبه الليكود، وتفكيك لقوائم وأحزاب أخرى تشكّل خطرًا عليه، واحتواء شخصيات متنفّذة، أو ذات رؤية سياسية قد تفقده منصبه.
ثانيًا، فساد رئيس الحكومة نتنياهو ورفضه التنازل عن الحكم رغم ملفات الفساد المقدمة ضده إلى المحاكم، الأمر الذي شكّل سابقة تقريبا، فقد سبق واستقال إسحاق رابين من رئاسة الحكومة في عام 1974 بسبب نشر خبر عن امتلاك زوجته حسابًا لها في سويسرا، ثم اٍيهود أولمرت، وأُدخل الرئيس موشيه كتساب السجن ووزراء وأعضاء كنيست آخرين.
ثالثًا، غياب القيادات المؤسِّسة أوجد نوعًا من الفراغ على المستوى السياسي والشعبي، أمثال مناحيم بيغن وشمعون بيرس وأريئيل شارون وغيرهم، ممّن كانت لهم بصماتهم أثناء مرحلة التأسيس، ويحملون رؤية شمولية وكاريزما وطنية جارفة.
رابعًا، انتهاء مرحلة الأيديولوجيات التي رافقت قيام المؤسسة الاٍسرائيلية كرؤى قومية وفكرية انبثقت عن المشروع الصهيوني والتيارات المختلفة من قادته أصحاب التوجهات الاٍشتراكية أو الإمبريالية أو الشعبوية والفاشية. هذا الوضع أوجد حالة من عدم الثقة بالقيادات المعاصرة داخل المجتمع الإسرائيلي الذي نعتهم بالنفعيين والحريصين على المناصب دونما التفات منهم إلى هموم الناس أو الجمهور.
خامسًا، إسقاط الملف الفلسطيني والقضية الفلسطينية والسلام من أجندة الأحزاب الإسرائيلية ومنها حزب الليكود، وهذا غدا ملموسًا ومؤكدًا من خلال مراجعة البرامج السياسية للأحزاب الإسرائيلية جميعًا، الأمر الذي دفع نحو التناحر بين الأحزاب على القضايا الداخلية كالقضايا الاٍجتماعية والاٍقتصادية والحياتية الأخرى.
سادسًا، طفرة الأحزاب وكثرتها أفسد الجو السياسي العام، وساهم كثيرًا في حرق أصوات الناخبين مع العلم أنّ غالبيتها لم تتخطَّ نسبة الحسم، ممّا أضرّ كثيرًا بالأحزاب الكبرى وجعلها رهينة الأحزاب الصغيرة في تشكيل الحكومة، وما يرافق ذلك من حالات ابتزاز لها في المناصب والميزانيات بخاصة الأحزاب اليهودية الدينية.
وأخيرًا، لا شكّ أنّ جوًا سياسيًا كالموصوف أعلاه ليس صحيًا أبدًا للمؤسسة الاٍسرائيلية، ونتائجه مضرّة للجمهور أولًا، ومن ناحية أخرى يدفع نحو استمرارية عدم الاستقرار السياسي، وهذا ما تبشّر به الأيام القادمة، فهناك من يرى من المحلّلين أنّ الانتخابات الخامسة لا مفرّ منها في ظل التناحر الحزبي، وحالة التشظّي داخلها، وتشابه برامجها أصلًا.
اٍنّ استمرار هذه الحالة تنذر بلا شك بنوع من الفوضى السياسية، واختلاط الأوراق، وتسلّق عناصر وشخصيات فاشية وشعبوية (والتاريخ حافل بالأمثلة) اٍلى مناصب سياديّة داخل المؤسسة الاٍسرائيلية وحالة من الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي لا نهاية له.
موطني 48