في كتابه "فلسطين أربعة آلاف سنة في التاريخ"، يتناول المؤرخ نور مصالحة، عمليات التزوير الكبرى التي حدثت في فلسطين، في تغييب اسم كل ما يحمل اسمًا فيها، وعبرنته وأسرلته، كجزء مكمل لعملية اقتلاع الشعب الفلسطيني والاستيلاء على وطنه، وإحلال الكيان الاستيطاني الصهيوني في فلسطين.
ويستعرض الكتاب كيف زوّر قادة المشروع الصهيوني وبناة "دولة إسرائيل" أسماءهم لتبدو متوافقة مع "شعب" له تاريخه وهويته ولغته وأسماؤه، كما يقول منير شفيق، لأن الاحتفاظ بالأسماء التي جاء أصحابها من عشرات البلدان، ، تكشف عملية تزوير أخرى تتمثل في صناعة "شعب يهودي"، حيث كان المشروع الصهيوني بحاجة الى اختراع "شعب" من خلال تزوير التاريخ الفلسطيني، وإقامة "دولة" ليس كمثل بقية الشعوب.
وفي هذا السياق، يورد مصالحة، مثلا، أن غولدا مئير كان اسمها الأصلي غولدا مابوفيتش من كييف، ويتسحاق شامير كان اسمه الأصلي اتسهاك جيزيرنيكي من شرق بولندا، وزلمان شازار اسمه الأصلي شنور زالمان روباشوف من روسيا، وشمعون بيريس كان اسمه الأصلي شيمون بيرسكي من بولندا، أما بن غوريون فقد وُلِد باسم دايفيد غرون في روسيا، وزوجته غيرت اسمها من باولين إلى باولا، فيما اختاراسماء ذات سمة توراتية لابنته "غيؤلا" وابنه "عاموس".
أما التزوير الأخطر، كما يقول شفيق، فقد تمثل في تزوير وتغيير اسم كل ما هو فلسطيني – عربي – إسلامي في فلسطين، أو تاريخي من فترة ما قبل الإسلام. وهذا لم يقتصر على القرى والمدن والشوارع والأحياء فحسب، وإنما امتد حتى إلى أسماء الأكلات الفلسطينية أو الأثواب أو الدبكات أو الألحان وسلب كل ما يمكن سلبه، وتزوير كل ما يترك أثرًا فلسطينيًا أو عربيًا أو إسلاميًا.
ويندرج محو التاريخ الفلسطيني للبلاد تحت أكذوبة "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" التي روجتها الدعاية الصهيونية لتبرير مشروعها الاستعماري الاستيطاني، حتى أن بعض أبواقها ذهبت إلى حد الادعاء أن العرب الذين كانوا في فلسطين إلى عام 1948، هم حديثو العهد في البلاد وهاجروا إليها في أعقاب "النهضة" التي أحدثتها الهجرة اليهودية والانتداب البريطاني.
وفي سياق رده على هذا الادعاء، يورد الباحث الإسرائيلي شاؤول أريئيلي، أن الإحصاء السكاني الذي أجراه الانتداب البريطاني عشية دخوله لفلسطين عام 1922، يشير إلى أن عدد سكان فلسطين العرب بلغ 700 ألف إنسان وأن فلسطين كانت من بين البلدان الأكثر كثافة سكانية من بين الدول العربية مع نسبة كثافة 27 نسمة/ كم2، علما بأنه اليوم وبعد مرور مئة سنة وازدياد سكان العالم بتسعة أضعاف، لا يستطيع أحد الادعاء أن دولا مثل كندا، أو أستراليا، أو أيسلندا أو منغوليا وليبيا التي تبلغ الكثافة السكانية فيها 4 نسمة/ كم2 هي دول خالية من الشعوب.
ويضيف شاؤولي أن عدد سكان فلسطين ازداد خلال فترة الانتداب التي بلغت 25 عاما، ليصل إلى 1.3 مليون نسمة، وذلك حسب معطيات منظمة "الهاغاناة"، في حين نتجت 15% من الزيادة أي ما يعادل 70- 100 ألف نسمة فقط، عن الهجرة.
واستنادا إلى تقرير اللجنة الأنغلو - أمريكية من عام 1945، فإن عدد السكان المسلمين في فلسطين ازداد بين سنوات 1922-1945 من 589 ألف نسمة إلى 1.160 مليون نسمة، 4% منهم فقط نتيجة الهجرة، فيما كان القسط الأساسي نتيجة الزيادة الطبيعية التي كانت من الأعلى في العالم.
ويسجل الكاتب أيضا اعترافات لدافيد بن غوريون بهذا الخصوص من عام 1918 يقول فيها، إن "أرض إسرائيل"، فلسطين، ليست خالية من السكان، ففي غرب نهر الأردن فقط، يسكن ثلاثة أرباع المليون، فيما ينقل ما كتبه موشيه ديان عام 1969 الذي يقول، جئنا إلى بلاد مسكونة بالعرب ونحن نقيم هنا دولة عبرية يهودية، لا يوجد أي مكان لم يقم على أرض جمعت عربيا في السابق.
عرب 48