الرئيسية / مقالات
عقد التيه وافاق التغيير
تاريخ النشر: الأربعاء 28/04/2021 09:42
عقد التيه وافاق التغيير
عقد التيه وافاق التغيير

عدي أبوكرش
يتفق الكل الفلسطيني على أهمية حدوث الانتخابات بعد تعطلها لأكثر من عقد من الزمان، عطلت فيه الحريات، وتشظت البنى الاجتماعية، وتتابعت فيه التناقضات في الأطر البنيوية، وساد مناخ من الشمولية، وتذويب لتعدد الفكر وانحصار الكينونة الفكرية في أطر مجموعاتية على أسس الانتماء السياسي.
تزدحم الساحة الفلسطينية اليوم وعلى أعتاب انطلاق الحملات الانتخابية بكثير الأسئلة، والتكهنات بشأن صيرورة الانتخابات، ولعل أهم الأسئلة التي تؤرق النخب الاجتماعية والسياسية باختلاف مشاربها اليوم هو هل تجري الانتخابات في موعدها المحدد في المراسيم الرئاسية أم لا؟ وعلى الرغم من تأكيد الكل على قدسية المواعيد المحددة لجريانها في مواعيدها، الا أن الكثير منا يتسابق لنفي افتراضاته بوجود سيناريوهات قد تعطل العملية برمتها "فكل منا يفترض سيناريو ويخرج على الملأ ليرفض السيناريو الذي يفترضه".
وفي ظل فوضى الافتراضات، التي تحمل كثيراً من الاشارات عن واقع الثقة في النظام السياسي الذي نتسابق للترشح فيه، والدخول في معتركه بذات الظروف الموضوعية، تتراجع قيمة الأسئلة بشأن شكل النظام السياسي ومستقبله في الثالث والعشرون من شهر أيار بافتراض حدوثها في الثاني والعشرين منه، وبظني أن هذا العراك الافتراضي هو نتيجة حتمية لنفق سنين عدم قدرتنا على إدارة اختلافاتنا، ومحاولاتنا لخلق نسخ توافقية من بعضنا البعض، والتي استنتج عدم جدواها قبيل الدعوة الرئاسية للانتخابات، وصير الى استبدالها بالقفز على سنين الاختلاف والهرب الى الامام.
ولعلني اذكر بأن الرصيد الذي ينتهي به كل عام، هو ذاته الذي يبدأ به العام الجديد، وان أي تغيير في واقع ذلك الرصيد يتطلب مراحل "قد تطول او تقصر" لتغييره، وبما انه لم يصار الى رأب التصدعات القائمة في البنيتين الاجتماعية، والتنظيمية قبيل الدعوة الى الانتخابات فان ذلك معناه وجوب دخولنا المعترك القادم بذات رصيد ما قبله، وان تغيرت بعض ملامحه.


وبمراجعة سطحية لذلك الرصيد فإننا نجد انحسار غير مسبوق -في تاريخ القضية الفلسطينية – في الافاق السياسية، ووقوف دائم على حافة عدم القدرة المالية لمؤسسات الدولة، وازدهار لقوى اليمين، واليمين المتطرف حول العالم، وما يعنيه ذلك من تراجع في الوقوف الدولي الى جانب القضية الفلسطينية، وسفور التطبيع الإسرائيلي مع بعض الدول العربية وغيره الكثير من القضايا في المستوى الدولي والتي ليس من المفترض أن يكون المجلس التشريعي اللاعب الرئيسي فيها ولكنه قد يكون أحد محركات العمل عليها.
وفي المستوى الداخلي، نجد مئات القوانين التي تتطلب المراجعة، ومثلها من القوانين التي يجب أن تسن، والبطالة، ومستوى شراكة المكونات المجتمعية المختلفة، ومستوى الحريات، والصحة والتعليم، وعشرات الالاف من القضايا التي تمثل محور أساس لعمل المجلس التشريعي القادم، والتي لا أراها من أي زاوية، منعزلة، او حتى بعيدة، لا بل متشابكة حد الجدلية مع ما تم ذكره من قضايا فلسطينية في الخارطة الدولية.
فعلى سبيل المثال فان حل القضايا المالية مرتبط تماماً بالحلول السياسية الخاصة ببناء دولة سيدة على مواردها، والتشريعات الجديدة المتوقعة، وارتباطاها بالمنظومة الحقوقية، والاتفاقات الدولية، وخلافه الكثير مما لا مجال للإسهاب في شرحه غير أن المراد قوله هنا بأن المجلس التشريعي يجب أن يعمل ضمن مسنن إرادة فلسطينية كاملة، واذا لم تدر المسننات بذات الاتجاه فانه من غير المتخيل ان يكون المجلس التشريعي وحده هو الفاعل الوحيد القادر عن التعبير عن الإرادة الفلسطينية كاملة، الا اذا اريد لنا العيش بمعزل عن المجتمع الدولي بشكل كامل.
وهنا يبرز السؤال الى أي مدى يحتاج المجتمع الفلسطيني الى تهيئة توافقات، وظروف موضوعية قادرة على تيسير العلاقة بين مكوناته السياسية، والاجتماعية بما يمكن المجلس التشريعي القادم من العمل بمعزل عن حالات استقطاب قد ينشأ بين أعضائه، على خلفية الكتلة البرلمانية ومن قبله التنظيم السياسي، او أقله التوجه الذي يمثلونه.
وفي حالة جريان الانتخابات او تعذر حدوثها هل قد يكون اللجوء الى مجلس تأسيسي للدولة، متصل بمنظمة التحرير وكل الفاعلين السياسيين والاجتماعين أحد الحلول التي من الممكن اللجوء اليها، لتكون مهمته تأطير التوافقات بشأن شكل الدولة، وعلاقة الفلسطينيين بها سواء من هم على أرضها، أم من لجأوا الى غير ارض، ولمناهضة حالات الاستقطاب، والاقصاء، وتعزيز الشراكة المجتمعية على التوالي.
وقد رأينا هذا التوجه كأحد الحلول التي لجأت اليها كل الدول التي شهدت حالات تغيير سواء يقارب التغيير الذي يشهده الفلسطينيين أم لا، يتولى المجلس بموجب تكليف توافقي مهمة تهيئة الظروف الموضوعية لانتقال سلس وسلمي للسلطة، وتطوير التوافقات الحاكمية في تلك الدول التي ثبتت ارادة شعوبها بتغيير في نظم حكمها.
ولقناعتي بأن مثل هذا الجسم قد يشكل ممراً امناً لانتقال سلس في شكل التغيير، وبرغم أن مثل هذه الخطوة توجب اتخاذها قبل الدعوة للانتخابات الا أنه لا زال هنالك احتياج كبير، لإيجاد جسم يعمل على تأطير التوجهات الشعبية في محاور عمل في المستويين الوطني والدولي، ومعالجة الفراغات في بنى النظام السياسي وتوجهاته السياسية والسياساتية.
إن البشرية لم تستقر على اعتياد الانتخابات بغرض تكسير الرؤوس، ولم تنظمها لغرض اقصاء احد، بل اعتادت تنظيمها لرأب التصدعات، وتنظيم شراكة المكونات بنظامها السياسي، وتأسيس قنوات التغيير بإرادة شعوبها، ومشاركتهم الفاعلة في نظام يفوضوه بإدارة شؤونهم، مستأمنينه حياتهم، واموالهم، والاهم أحلامهم وتطلعاتهم.


 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017