كتب باسم سالم مرشود

اعتاد الشعب الفلسطيني ومنذ سنوات على سياسات القمع "الإسرائيلية"، وما زال صابرا صامدا مرابطا، يشكو همه الى السماء بعدما خذله القريب قبل الغريب، إلا أن الأحداث الأخيرة لم تمر كسابقاتها من سياسات البطش والتنكيل والتهجير، حيث تعمدت قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية وقطعان المستوطنين استفزاز مشاعر المسلمين والمسيحيين، بالتضييق عليهم في ممارسة شعائرهم الدينية المقدسة، بوضع الحواجز الحديدية والاسمنتيه، والاعتداء بالضرب والتكسير والاقتحامات المتكرره للمسجد الأقصى، وتوافق ذلك مع قضية اخلاء عائلات عربية من حي الشيخ جراح بالقدس، مما أدى لمواجهات يومية عنيفة، وقاد لحملة تضامن واسعة مع القدس عامة والشيخ جراح خاصة، لتشكل نقلة نوعية في أسلوب المواجهة الفلسطينية لسلطات الاحتلال، وعلامة فارقة في تاريخ النضال الفلسطيني ضد سياسات الاحتلال التعسفية والاحلالية.
فعلى صعيد الضفة الغربية توافد المصلون للأقصى بالالاف متجاوزين الاغلاق والحصار، وتعزز الموقف بعدة عمليات دهس واطلاق نار على الحواجز الإسرائيلية المتبعثرة على شوارع وابواب المدن الفلسطينية، وحولوا نقاط التماس لساحات اشتباك متواصل مع قوات الاحتلال ومستوطنيه, حتى وصلت لأكثر من (60) ستين نقطة احتكاك أدت للعديد من الشهداء والإصابات.
اما غزة هاشم فبعد الاحتجاج بالبالونات المشتعله فقد أمطرت كتائب المقاومة جبهة العدو بزخات من القذائف الصاروخيه المتلاحقه، والتي وصلت ما بعد تل الربيع، وأدت لخسائر بشرية بأعداد من القتلى والجرحى في صفوف "الإسرائيليين", وخسائر مادية كبيرة، مما عرضها لهجوم إسرائيلي مضاد جوا وبحرا طال الأبراج السكنية والمرافق الحكومية ومواقع قتالية، أوقع العديد من الشهداء والمصابين. وقد طور المقاومون في غزة سلاحا جديدا تمثل بالطائرات المسيرة المقاتلة التي تتميز بالقدرة على حمل القنابل والمتفجرات, والقائها خلف خطوط العدو والمناطق المحاذية للشريط الحدودي ومستوطنات غلاف غزة.
بينما كانت الإضافة النوعية من قبل فلسطينيي 48, حيفا، عكا، اللد، بئر السبع، مجد الكروم واغلب القرى والبلدات العربية في الداخل الفلسطيني، حيث ترجموا صدق ترابطهم وانتمائهم واصالتهم بعد صمت طويل، باحراق مراكز الشرطة وسيارات "الإسرائيليين" واطلاق النار على أبراج الحراسة التابعة للشرطة "الإسرائيلية". وسادت المواجهات وأعمال العنف المتبادل مع المستوطنين والمتزمتين لدرجة خرجت عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية.
وفي موقف تضامني غير عادي، زحفت الجماهير العربية من لبنان والأردن، الى الشريط الحدودي واجتازته الى الوطن المحتل، معبرين عن تضامن استثنائي مع القضية الفلسطينية والاقصى، إضافة الى العشرات من الحركات الاحتجاجية في مختلف عواصم ومدن العالم الإسلامي والعربي والجاليات الفلسطينية والعربية في العالم.

وان كان عاجلا أم آجلا سيتم وقف اطلاق النار، وستعود الأمور الى حيث كانت أو ستكون، وأمام مجمل هذه الاحداث والردود المتفاوته، نعتقد بأن هذا الموقف له ما بعده اعتمادا على:
1. شكلت قضايا القدس هاجسا ودافعا قويا للتحرك الفلسطيني والعربي والدولي ضد الاحتلال، مهما اختلفت المعتقدات الدينية متجاوزة الجغرافيا والانتماء السياسي.
2. للحروب استحقاقات وتكلفة خاصه على من يعتقد أنه بمصاف الدول، فقد شلت حركة دولة الكيان على كافة الصعد، اقتصاديا خسائر مادية جسيمة، موانيء، مطارات، قطارات وأسواق تعطلت، سياسيا ضعف في المحافل الدولية والإنسانية جراء قتل الأبرياء من النساء والأطفال، وقصف التجمعات السكنية والمكاتب الصحفية، أمنيا بعدم القدرة على الصمود أمام الإمكانيات المتواضعة للمقاومة وخاصة بعد فشل منظومة القبة الحديدية، إضافة للخسائر البشرية والجانب المعنوي الاجتماعي لدى الاحتلال، بالخوف والهلع الذي أجبر أغلب الجمهور "الإسرائيلي" على المبيت في الملاجئ.
3. غطى الصوت الفلسطيني من الداخل الفلسطيني على سياسة الاحتلال لما يزيد على سبعين عاما من طمس للهوية الفلسطينية، وقضى على الدعاية الصهيونية بإمكانية التعايش مع الاحتلال، وتشكلت ردود الأفعال الفلسطينية من القرى والبلدات العربية بالداخل منعطفا مهما يفترض أن يبنى عليه آليات التشبيك والمشاركة المستقبلية.
4. عبرت جماهير وشعوب الدول العربية والإسلامية عن موقف تضامني جاد، بينما الحالة المتقدمة من لبنان والأردن تدلل على إمكانية تحقيق المستحيل.
5. ان استخدام الطائرات المسيرة المقاتلة يعد أسلوبا جديدا لم يكن في حسابات الاحتلال، وعبر عن إضافة نوعية في عقلية وامكانيات المقاومة، كما حاكت المقاومة أسلوب الاحتلال بالإعلان عن الهجوم قبل تنفيذه مما يعزز الثقة بقدرة المقاومة وكفائتها.
6. يعتبر الموقف المتقدم الذي تبنته المقاومة في غزة، بالوقوف الى جانب آلام المقدسيين والقدس غاية في الرفعة والسمو لدى الجماهير، لان الجماهير عاطفيا تميل لمن يقترب من مشاعرها أكثر، وعلى فصائل م.ت.ف أن تعي هذه الحقيقة، فالشعوب لا تحتاج أكثر من استشعار متواضع لأمنها الاجتماعي، وعلى القادة والسياسيين أن يقتربوا أكثر من نبض الشارع ويراعوا متطلباته.
7. حالة الوحدة التي أجمع عليها الشارع الفلسطيني بمختلف أماكن تواجده، وعبر عنها نشطاء الفصائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تستحق الإجلال والاحترام، ولعلها تحقق ما لم تحققه كل حوارات التنظيمات ولقائاتها وتفاهماتهاالمتعددة.

طوبى للشهداء والشفاء للجرحى، الحرية لأسرى الحرية والنصر للوطن والقضية.

باسم سالم مرشود
5/2021