لم تكن الولايات المتحدة الامريكية وسيطا نزيها عبر تاريخها الطويل مع القضايا العربية وخاصة قضية فلسطين فكانت الولايات المتحدة الامريكية دائما منحازة انحيازا كاملا للكيان الصهيوني عبر تاريخ القضية الفلسطينية منذ عام 1948 مرورا بعدوان 5 حزيران عام 1967 وحرب اكتوبر عام 1973 واشتهر وزير خارجتها هنري كيسنجر بتأمره الخبيث ضد الشعب الفلسطيني في تلك الفترة .
ثم جاءت اتفاقيات كامب ديفدعام 1977 برعاية الرئيس الامريكي جيمي كارتر والتي كانت بمثابة الضربة القاضية للامن القومي العربي بتوقيع اتفاقية كامب ديفد وسير جمهورية مصر العربية اكبر دولة عربية في فلك السياسة الامريكية والى يومنا هذا وكذلك الزيارات المكوكية لفيليب حبيب المبعوث الامريكي للشرق الاوسط ابان الوجود الغلسطيني في لبنان والذي هندس عملية اخراج مقاتلي الثورة الفلسطينية من لبنان وتشتيتهم في عدة دول عربية من بينها تونس والعراق واليمن دون حل للقضية الفلسطينية بل كان هدف الكيان الصهيوني وبدعم كامل من الولايات المتحدة الامريكية هو تصفية الوجود الفلسطيني في لبنان وانهاء القضية الفلسطينية . ومع اندلاع انتفاضة اطفال الحجارة في كانون اول عام 1987 والتي اعادت بقوة القضية الفلسطينية الى الاهتمام الدولي والتي اجبرت الكيان الصهيوني ومعه الولايات المتحدة الامريكية للاستجابة لنداءات المجتمع الدولي بضرورة اعادة الحقوق للشعب الفلسطيني وتطبيق قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي وهنا مارست الادارة الامريكية هواياتها المفضلة بالوقوف الى جانب الكيان الصهيوني لتبييض وجهه البشع ومنع صدور اي قرار عن مجلس الامن الدولي لصالح القضية الفلسطينية يدين الجرائم الصهيونية بحق المدنيين الفلسطينيين وقبل نهاية عام 1991 عقد مؤتمر مدريد للسلام والذي لم يتحقق اقصد هنا السلام حيث اصر الكيان الصهيوني وبدعم من الولايات المتحدة الامريكية على ان يكون تمثيل الفلسطينيين من خلال الوفد الاردني وكان هذا شرط الكيان الصهيوني والولايات المتحدة لحضور الجانب الفلسطيني مؤتمر مدريد للسلام ولم تمضي سنتان على انطلاق مؤتمر مدريد للسلام حتى ظهر ما عرف لاحقا باتفاق اوسلو عام 1993 سيء الصيت حيث كانت الولايات المتحدة الامريكية هي الراعية لهذا الاتفاق المجحف بحق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة والذي اضر بالقضية الفلسطينية ضررا كبيرا ما زال الشعب العربي الفلسطيني يعاني من مقرراته حيث اجل قضيتي القدس واللاجئين لمفاوضات الوضع النهائي والتي لم تتم وقطع اوصال الضفة الغربية الى ثلاثة مناطق عرفت بمناطق A وB و C ومثلت المنطقة المسماة A بنسبة 18% من مساحة الضفة الغربية البالغة 6800 كم وتقع هذة المنطقة تحت السيادة الفلسطينة الكاملة الا انها ليست متواصلة جغرافيا وهي عبارة عن كنتونات منفصلة عن بعضها البعض اما المنطقة المسماة B والتي تمثل 21% من مساحة الضفة الغربية فكانت ادارة مشتركة الامن للكيان الصهيوني وادارة السكان للفلسطينيين . في حين كانت المنطقة المسماة C والتي تمثل 61% من مساحة الضفة الغربية تخضع للسيطرة الكاملة للكيان الصهوني وهذه المنطقة تمثل ثلثي مساحة الضفة الغربية وهي متواصلة جغرافيا على العكس في منطقتي A وB الغير متواصلة .
وظلت الادارات الامريكية المتعاقبة سندا ومعينا للكيان الصهيوني ضد حقوق وتطلعات الشعب العربي الفلسطيني الى ان جاءت الادارة السابقة برئاسة دونالد ترمب والذي تواطأ منذ البداية مع الكيان الصهيوني واعلن انه سيعمل على حل القضية الفلسطينية ولكن بطريقته الخاصة وبالتشاور مع الكيان الصهيوني وتجاهل اصحاب الحق وهم الفلسطينيون وممثلهم الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية فأعلن في السنة الثانية من فترة حكمه عن ما سماها بصفقة القرن لحل النزاع بين الفلسطينيين والصهاينة وعين صهره جاريد كوشنيراليهودي والمتعصب للكيان الصهيوني مبعوثا خاصا للسلام في الشرق الاوسط ومنذ البداية رفضت القيادة الفلسطينية اي حل لا تشارك فيه ولكن ترمب بالمقابل قال انه سيعلن عن خطته قريبا وفي الوقت المناسب ولكنه بالمقابل استمر في عدائه للشعب الفلسطيني ومناصرة الكيان الصهيوني فأتخذ عدة قرارات معادية للشعب الفلسطيني خلال فترة حكمه وكانت كافية لينال بلا منازع لقب (رجل اسرائيل ) وهي :
1- اعترافه بالفدس عاصمة لأسرائيل .
2- نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس .
3- قطع المساعدات المالية عن السلطة الوطنية الفلسطينية ,
4- قطع المساعدات المالية عن الاونروا .
5- اغلق مكتب منظمة التحرير الفسطينية في واشنطن .
6- شرعن الاستيطان في الاراضي الفلسطينية .
7- قاد عملية تطبيع عدة دول عربية مع اسرائيل .
8- اعلن صفقة القرن والتي سرقت 30% من الضفة الغربية .
9- منح الكيان الصهيوني سيادة كاملة ما بين النهر والبحر ( فلسطين كاملة ).
10- رفض اي عودة للاجئين الفلسطينيين الى ارضهم وديارهم .
امام كل هذه الجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني على مدى 73 بدأ من النكبة وانتهاء بالقتل والدمار الذي حل بغزة ما كان ليحدث لولا الضوء الاخضر الذي منحته الادارة الامريكية للكيان الصهيوني خاصة ان الة القتل والدمار هي امريكية واليوم يأتي جو بايدن بادارته الجديدة ويعين مبعوثا خاصا هادي عمر ثم وزير خارجيته انتطوني بلنكن على الفور مدعيا حزنه بفقدان المزيد من الارواح الفلسطينية من النساء والاطفال والشيوخ والدمار الشامل لالاف المنازل الفلسطينية في قطاع غزة .
ولكن الحقيقة ابعد من ذلك بكثير وما خوفهم على صنيعتهم ( اسرائيل ) مما حققه الشعب الفلسطيني من انتصارات باهرة على الكيان الصهيوني ليس لها مثيل بدأ بفرض ارادة ابناء القدس على المسجد الاقصى والاحياء الفلسطينية المحيطة وصمود حي الشيخ جراح في وجه مخطاطات الترحيل من منازلهم اضافة لفشل الاجراءات الصهيونية في منع وصول عشرات الالاف من ابناء فلسطين عام 1948 الى المسجد الاقصى في ليلة القدر وكذلك سقوط مئات الصواريخ على مدن الكيان الصهيوني والتي اطلقتها الفصائل الفلسطينية من قطاع غزة والتي دبت الرعب والهلع في نفوس المستوطنين اضافة للعامل المهم وهو خروج ابناء فلسطين عام 1948 الى الشوارع واشتباكهم مع الشرطة الصهيونية في اكثر من 200 تجمع فلسطيني هذا العامل افقد الدوائر الصهيونية صوابها حيث ان مخطاطهم على مدى 73 عاما لجعل الفلسطينيين ينسون قوميتهم ودينهم وفلسطينيتهم قد باءت بالفشل وشاهدوا الشعب الفلسطيني يهب هبة رجل واحد من النهر الى البحر.
امام هذا المشهد الفلسطيني الرائع اضطرت ادارة بايدن وهو الذي يفتخر بصهيونيته الى ارسال مبعوثه الخاص ووزير خارجيته الى الشرق الاوسط اضافة لعشرات الاتصالات مع دول التطبيع العربية والذين افزعهم ايضا ذلك المشهد الفلسطيني الرائع .كل هذه التحركات الخبيثة تهدف الى سرقة النصر الفلسطيني واحتواء ما تحقق من وحدة الجغرافيا الفلسطينية وذلك باعلانه جملة من الاجراءات لذر الرماد في العيون بوقف اطلاق النار واعادة اعمار قطاع غزة والغاء قرارات ترمب الخاصة بالاونروا واعادة فتح القنصلية الامريكية في القدس الشرقية في حين لم يتطرق الى اعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارتها للقدس ايضا كل ذلك يثبت ان رهان الفلسطينيين وكذلك العرب على امريكا لحل قضاياهم يعتبر رهانا خاسرا لان بوصلتها موجهة فقط لحماية صنيعتها الكيان الصهيوني .
م . محمود الصيفي
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
28.5 . 2021