بقلم: عائشة عبدربه
إذا ما أردنا أن يبحر الطالب في عالم المعرفة بملء إرادته وبوازع داخلي منه، فعلينا أن نجعل العالم الفسيح المتخم بالمعرفة ينفرج أمامه كصفحات مفتوحة من غير قيود، وعلى أصحاب القرار من التربويين أن يدركوا أنه من الصعب أن نصنع متعلما شغوفا بالتعلم اذا ما بقي المنهاج بهذا الضبط والربط ومحروس ومراقب من ألف مراقب ومتابع ومدقق، ولا يمكن ان نصنع متعلما شغوفا بالتعلم طالما بقينا ننظر للامتحانات على اعتبارها قضية تمس هوية الفرد وتهدد وجوده بدلا من النظر لها على أنها أداة قياس فقط، فالتدجين التربوي من وجهة نظري لا يمكن أن ينتج أفرادا او متعلمين أحرار ، والسلطوية في التعليم لا يمكن أن تحقق نجاحا في المجال التربوي . ان اغتيال عقل الطالب بأرطال من المواد الدراسية واعتماد الحفظ والاستذكار كأحد أهم وسائل التعليم، يعمق من مفهوم التسلط والاستبداد على العقول ويؤدي إلى إنتاج عقول عاجزة عن التحليل والفهم والتساؤل.
ولكن الاخطر على الاطلاق هي السلطوية التي تطال الادارة الصفية وهؤلاء الأفراد؛ الذين هم الطالب، فقد اختزل مفهوم إدارة الصف لدى المعلم ولم يعد يعني أكثر من فرض الضبط والتحكم داخل الغرفة الصفية، والذي أصبح هدفا بحد ذاته أكثر من التعلم نفسه، متناسيين أن الطلبة لا يستطيعون التعلم في مدارس أشبه بالسجون.فالطالب يفرض عليه وبالقهر تعليم ضعيف الصلة بحياته وواقعه، فلا يمكن أن يحقق الطالب أي إنجاز أكاديمي من خلال الاكراه.
إن الدافعية المنطلقة من دواخل المتعلمين هي كلمة المرور لحدوث تعلم ناجح وفعال، ولكن كيف للمعلم أو التربوي أن يفعل الرغبة لدى الطالب للتعلم؟ وكيف يمكن للمعلم إفهام الطالب بقيمة التعلم الحقيقية؟
أن هذا الدور لا يقع على عاتق المعلم بمفرده فهو في الحقيقة مسؤولية كبيرة تفوق قدرة المعلم على حملها وحده، ولكنه يتحمل الدور الأكبر فيها بلا شك، بل تقع مسؤولية تفعيل رغبة التعلم لدى المتعلم على المجتمع أيضا وعلى الأسرة.
ولنمعن النظر في دور المعلم في هذا الجانب وخاصة أنه يستحوذ على الدور الأكبر من وجهة نظري، حيث يقول الكاتب الأمريكي الشهير وليام آرثر وارد "المعلم المتواضع يخبرنا، والجيد يشرح لنا، والمتميز يبرهن لنا، أما المعلم العظيم فهو الذي يلهمنا" وإذا ما دققنا بكلماته فائقة الدلالة ونظرنا إليها جنبا إلى جنب مع الحقيقة المؤكدة بأن أي إصلاح تعليمي لا ينطلق من معلم محب لعمله، متحمس لأداء مهنته هو إصلاح محكوم عليه بالفشل. فيتوجب في هذه الحالة أن نراجع أولوياتنا في عملية الاصلاح الشاملة لمنظومة التعليم لتصبح أحد أهم أولوياتها "المعلم" مع تسليمنا بأهمية المحاور الأخرى للتعليم، فالمعلم المتصالح مع بيئته ومحيطه، المحب لمهنته والملهم لطلابه هو أهم ركيزة من ركائز إصلاح التعليم، لأن عملية التعليم تتطلب وقتا وجهدا كبيرين ولا يتم حصاد ثمارها على المدى القصير فلا بد من امتلاك المعلم لعامل الشغف.
إن بناء علاقة الثقة بالطالب بصرف النظر عن مدى تفوقه أو عدمه هو ما سيؤدي إلى تطوير عادات جديدة في الاعتقاد والشعور والأفعال، فتأثير المعلم قد يتساوى في كثير من الأحيان مع تأثير الوالدين وقد يتفوق عليه، وهذا ما يجعل مسألة إعداد المعلم وتأهيله من المسائل التربوية المهمة التي حظيت بالكثير من الاهتمام لأنه القادر على تفعيل رغبات المتعلمين وقيادة دفة السفينة إلى بر الأمان.