بعد مرور عام، على توقيع اتفاقيات التطبيع بين عدد من الدول العربية و"إسرائيل"، يرى الإسرائيليون أنها أنتجت سلسلة من السوابق في العلاقات الثنائية، وعززت العلاقات الاقتصادية والتجارية مع "إسرائيل"، لكن المكاسب التي تحققت على المستوى السياسي والعسكري والاستراتيجي لا ترقى إلى مستوى التوقعات الإسرائيلية.
وفي 15 سبتمبر/أيلول 2020، وقعت الإمارات والبحرين على اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، في أجواء احتفالية بحديقة البيت الأبيض. بعد ذلك، انضم السودان والمغرب إلى الاتفاقات التي وافق بموجبها البلدين على تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
وبحسب الكاتب أودي إيفنتال من معهد دول الخليج بواشنطن في مقال ترجمه موقع "الخليج الجديد"، فإنه يبدو أن هناك إدراكا متزايدا في "إسرائيل" بأنهم لم يغيروا بعد "قواعد اللعبة" على المستوى الاستراتيجي في المنطقة.
ولم تخلق الاتفاقات تأثيرا على شكل لعبة "الدومينو" في علاقات "إسرائيل" مع الدول العربية؛ ولم تقترب الانفراجة في العلاقات مع السعودية "جوهرة التاج" بالنسبة لـ"إسرائيل"، بحسب تعبير الكاتب.
وبالرغم من المصالح الكبيرة في تعميق العلاقات مع "إسرائيل"، ولا سيما مكافحة التهديد الإيراني والمساعدة في تهدئة العلاقات مع الإدارة الأمريكية، فقد ترددت السعودية في عبور هذه البوابة.
وباعتبارها راعية لمبادرة السلام العربية لعام 2002 وحارسا على الأماكن الإسلامية المقدسة، فإنها لا تزال مهتمة بمكانتها في العالم العربي؛ نظرا للقوة الناعمة والتأثير الواسعين اللذين يترافقان مع هذه المكانة، وأهمية ذلك للاستقرار الداخلي.
علاوة على ذلك، يرى الكاتب، أن "إسرائيل" كانت قادرة على تقديم إغراءات لتشجيع الإمارات على التوقيع على الاتفاقات، مثل تعليق خطط ضم أراضي الضفة الغربية، وقبول بيع الولايات المتحدة الإمارات طائرات مقاتلة من طراز "إف-35"، لكن "إسرائيل" تواجه صعوبة في تقديم حوافز مماثلة للسعوديين، الذين لن يقبلوا بأقل من ذلك.
وتخشى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تقليديا تسليح السعودية ودول الخليج بشكل عام بأسلحة يمكن أن تضعف التفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل".
وفي الوقت نفسه، أعلنت الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة "نفتالي بينيت" أنها لن تجري مفاوضات مع الفلسطينيين، في حين تعمل على تعزيز العلاقات مع الأردن ومصر، ويرجع ذلك جزئيا إلى الانتقادات بأنه جرى إهمالهما في أعقاب الانفراج مع دول الخليج.
وفي حين أن ذلك لا يهدد اتفاقيات التطبيع الحالية، لكنه يجعل من الصعب على السعوديين تبني مبادرة جديدة.
في ظل هذه الظروف أيضا، فإن خطط إسناد الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس للسعودية بدلا من الأردن (كحافز محتمل للسعوديين) أصبحت غير واردة تماما. وفق الكاتب.
وينوه الكاتب إلى أن هناك جانبا آخر لم تلب فيه اتفاقيات التطبيع على ما يبدو توقعات "إسرائيل"، وهو إنشاء جبهة موحدة ضد التهديد الإيراني، وهي رؤية استراتيجية أعاد "بينيت" التأكيد عليها في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" عشية زيارته إلى واشنطن في أغسطس/آب.
وللمفارقة، فإن التهديد الإيراني والشكوك حول مدى إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة (التي دفعت دول الخليج نحو إسرائيل منذ البداية) يبدو الآن أنها تمنع توطيد جبهة مشتركة لمواجهة النظام في طهران.
وأعادت دول الخليج بشكل عام التفكير في تداعيات تخفيض وجود الولايات المتحدة من المنطقة، مع فشلها في الرد عسكريًا على هجمات سبتمبر/أيلول 2019 التي قيل إن إيران نفذتها ضد مصافي النفط السعودية وانسحابها السريع من أفغانستان.
وفي الوقت نفسه، هددت إيران صراحة الإمارات والبحرين لردعهما عن تعميق التعاون الأمني مع "إسرائيل" في الخليج.
علاوة على ذلك، اتجهت دول الخليج، لا سيما الإمارات والسعودية، إلى توسيع المحادثات مع إيران لتخفيف المخاطر والتوصل إلى ترتيبات وتفاهمات أمنية مع طهران.
وأخيرا، يقول الكاتب إن "إسرائيل" كانت تأمل في أن ترى الإمارات والسعودية أكثر انخراطا في الساحة الفلسطينية من خلال زيادة الدعم للسلطة الفلسطينية واستبدال دور قطر في غزة، خاصة بعد الحرب الأخيرة في مايو/أيار التي رسخت وضع قطر من خلال دورها في وقف إطلاق النار.
لكن أبو ظبي والرياض ترفضان الانجرار إلى "مستنقع غزة" التي تحكمها حماس، وهي حركة مرتبطة بالإخوان المسلمين. وفق تعبيره.
وفي حين كسرت اتفاقات التطبيع المحرمات العربية فيما يتعلق بالعلاقات بين "إسرائيل" والدول العربية، لا يزال الجمود بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية عائقا أمام توسيع دائرة التطبيع.
وفي الوقت نفسه، يشكل التهديد الإيراني لدول الخليج، والذي دفعها للتقارب مع "إسرائيل"، عقبة في طريق تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الجانبين.
وأخيرًا، مع التغيير في الإدارة الأمريكية ونهج الرئيس "جو بايدن" الأكثر حذرا تجاه دول الخليج، ورغبته في العودة إلى الاتفاقية النووية مع إيران، إلى جانب التعاطف طويل الأمد بين مسؤولي الإدارة مع حل الدولتين، فإن جميع الأطراف تفضل نهج الانتظار والترقب.
صفا