يواصل للعام الثالث تواليًا فريقٌ فلسطيني بإشراف فرنسي عمليات ترميم "تلة أم عامر" الأثرية المعروفة باسم "دير القديس هيلاريون" غربي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة للحفاظ عليه من عوامل الطبيعة أو التعدي البشري.
وسُمي الدير باسم "هيلاريون" كونه أول من أدخل الرهبنة لفلسطين بعد القديس أنطونيو في مصر في الحقبة البيزنطية 329 ميلادي ويعتبر واحد من أكبر المواقع الأثرية في فلسطين فيما أطلق عليه البعض "أم عامر" لكثرة الضباع التي كانت تعيش فيه قديمًا كما يقال؛ بحسب مشرف الدير حمد عبد الجواد.
ويقول عبد الجواد لـ"صفا": "كان هذا المكان عبارة عن تلة رملية لا يظهر بها أي معلم أثري؛ لكن في عام 1993 أثناء تقسيم الأراضي ظهرت قطع أثرية حينها كان الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على قطاع غزة فبمجرد أن علم بظهور أثار جاء وقام بإغلاقها وأعتبرها منطقة عسكرية ومكث بها قرابة عام وخلال العام كانت تهبط مروحيات تنقل ما يتم العثور عليه بحسب الأهالي؛ في عام 94 استلمت السلطة الفلسطينية القطاع واستكملت العمل به".
ويوضح إلى أن الدير يتكون من عدة أقسام؛ أولها المنطقة الجنوبية منها وفيها ها غرف الرهبان والقسيسين، ومن الناحية الشرقية فيها الكنيسة وأماكن العبادة سواء للحجيج المسيحيين أو المُقيمين وفي الوسط حوض التعميد المخصص لتعميد كل من يدخل الديانة المسيحية بعد المرور بأرضية الفسيفساء والناحية الشمالية هي للحمامات منها في الحقبة البيزنطية وأخرى في الحقبة الأموية الإسلامية (عهد عمر بن عبد العزيز) فحافظوا عليه وعثر في عام 1997 على عملات معدنية باسم عمر.
ويضيف: "يوجد كذلك داخل الدير فندق في الناحية الشمالية عبارة عن غرفة صغيرة يقيم فيها الزوار المتعبين والحجيج فيما يوجد في الناحية الغربية (أسطبل) للخيول والجمال والأمتعة التي كانت تحملها بينما دفن هيلاريون منتصف الدير لكن لم نعثر على رفاته".
وتشير الروايات التاريخية إلى أن تلاميذ "هيلاريون" قاموا بسحبه ودفنه بالدير بعد أن توفي عام 371م في أعقاب طرده من الدير إلى قبرص على يد الإمبراطور جوليان الذي كان يحكم بلاد الشام آنذاك.
ويشير عبد الجواد إلى أن وزارة السياحة بغزة بالتعاون مع مؤسسة الإغاثة الأولية الدولية بدأت منذ نحو ثلاث سنوات عمليات ترميم للدير المقام على قرابة 13 دونمًا بإشراف الخبير الفرنسي (غوني ألتير)".
ويتابع "أنجزنا خلال تلك السنوات أعمال كبيرة ومهمة منها: إقامة جدار خارجي للدير وإقامة مقر إداري لإدارة الموقع وممرات خشبية آمنة للزوار بين جميع مناطق الدير وتأهيل وترميم جزء كبير من الكنيسة والحمامات وتغطيتها بحماية (لوفر) وأرضيات الفسيفساء".
ويلفت عبد الجواد إلى أن العمل لم يكن سهلاً، فكانت هناك مشقة كبيرة خلال العمل الذي ما زال متواصلاً بإمكانيات بسيطة ويدوية منها المنشار اليدوي الذي يستخدم في قص الحجارة الأثرية سواء التي عثرنا عليها أو التي نجلبها من مواقع أثرية أخرى.
ونوه إلى أن فريق الترميم جميعهم خريجي هندسة معمارية وتاريخ وآثار وتلقوا تدريب قبل بدء العمل واكتسبوا خبرات ومهارات عالية خلال العمل مع الخبير الفرنسي؛ وما زال العمل مستمرًا لحين الخروج بشكل لائق للمكان يضمن الحفاظ عليه صيفًا وشتاءً ويصبح مزارًا سياحيًا مهمًا يجسد ماضي وتاريخ فلسطين العريق.