الرئيسية / الأخبار / فلسطين
أجنحة قُصت في الخطأ تقرير: شذى " احمد رأفت " غضية
تاريخ النشر: الثلاثاء 14/10/2014 06:01
أجنحة قُصت في الخطأ تقرير: شذى " احمد رأفت " غضية
أجنحة قُصت في الخطأ تقرير: شذى " احمد رأفت " غضية

 تزحف كما الأيام، من المطبخ الى غرفة نومها مرورا بالحمام لقضاء الحاجة، ثم تلازم مكانها لتصفن مع الموسيقى الحزينة، تنظر الى حالها وتجهش بالبكاء، لتخلق من يومها روتين قاتل، يبدأ بكرسيها المتحرك و ينتهي به.

حين تتحول أبسط الحقوق الى أحلام، " نفسي أمشي "، عينا ملك تلمعان كطفل صغير حين يتحدث بشقاوة الأطفال عن أمنياته، و ابتسامة شفتيها الممزوجة بالأمل ما تلبث أن تصطدم بعرض الحائط حين تتذكر أن أمل الشفاء والمشي معدوم.

خطأ طبي قاتل أودى بحياة ملك سلهب ابنه ال21 عاما من مدينة نابلس، لتقبع بين جدران العجز منذ أن كانت في السادسة من عمرها، ولا قانون اخذ بحقها في الحياة.

" كنت أمشي ليلا في المنزل لشرب الماء، و إذا بقطة سوداء مخيفة ظهرت أمامي، كانت رعبة قاتلة لأيامي القادمة، ذهبت الى مستشفى في رام الله، وهنا كانت الكارثة حين شخّصوا حالتي الصحية بوجود مرض السحايا رغم أنني لم أكن أمتلك هذا المرض، الأمر الذي اضطرهم  للقيام بعملية في الحبل الشوكي ،ومنذ تلك اللحظة وأنا حبيسة أسفهم الفارغ"، و تعقب ملك بقولها " درست حتى الصف الثاني الابتدائي فقط، وخرجت من المدرسة عندما وقعت عن درج منزلنا و التهب مكان العملية ".

تقول ملك " نحن ضعاف جدا، لا ظهر الأبوة يسندنا ولا ظهر الحكومة، والدي توفي منذ فترة طويلة، وأمي امرأة لا تعمل، أما عن اخوتي المتزوجين فكل منهم يصنف وضعه تحت خط الفقر، هذه الكراسي وهذا السرير وحتى صغائر الاشياء كالزعتر هي تبرعات من أهل الخير، نعيش على صدقات الاخرين، لا معول لنا ولا ساند، و حتى اللجان الخيرية لم تصنفني كحالة تحتاج الى رعاية أو حتى مبلغ من المال، أعيش على أمل الموت"

قراءة الصحف، هواية غريبة من نوعها استهوت ملك منذ صغرها، احساسها المرهف ومشاعرها الجياشة أنبت في داخلها حب الكتابة وعشق القلم.

"اصعدي قليلا قليلا، إنه درج مهترئ، متكسر البنيان"، عبارة تسمعها ملك في كل مرة تنوي فيها الخروج، سنة كاملة لم تغادر فيها ملك المنزل، ملل استوطن أحشائها وهي في صندوقها الزجاجي معدوم الوجوه و الشمس، " أتمنى لو أنني أخرج من قوقعتي المظلمة، لكن الدرج هو عقبة أبدية تقف في طريق تجدد الهواء الى رئتي، رغم أننا ناشدنا البلديات و أصحاب رؤوس الأموال لترميمة لكننا ننفخ في قربه مثقوبة".

" نفسي أروح على اذاعة الحياة"، ملك هي صديقة اغلب البرامج في تلك الاذاعة، تحادثهم عبر الهاتف بشكل يومي، رغبتها الملحّة انستني عملي كصحفية فعدت الى ذاتي وطلبت من ملك أن تحضّر نفسها لأننا سنخرج الى حيث تتمنى، كانت كالطفلة التي انفتحت أمامها ملذات الحياة، ونحن في طريقنا الى الاذاعة، كانت عيناها البراقتان مدفونتان في طيات الطرقات، لم ترفع رأسها قط الى حين وصولنا، ترغب ملك بأن تصبح مذيعة يوما ما.

تحقق حلمها و الآن ستتعدد الأحلام، وصلنا الى المنتزة لتستعيد طفولتها المقهورة، لكن دموعها فضحت كينونتها حين اخبرتني بأنها تخجل الخروج ومقابلة الحياة بوجهها المختلف، نظرات المارة الملفتة اليها تجعلها تدخل في ثيابها خجلا و انتقاصا، ترى في نفسها ثغرة لن تسدها إلا ثقتها بنفسها.

ناشدت أم ملك كل من في قلبه مثقال ذرة من انسانية بقولها " لا أعلم من لنا بعد ربنا، ملك ليست مجرد فتاة عاجزة، هي وردة قصفت اوراقها تقارير طبية خاطئة، تملك في قلبها الكثير من المواهب و الرغبات لكن لا قانون ايّدنا ولا حكومة ساندتنا، ولا قلب رأف بحالنا، لا نريد أكثر من ترميم درج منزلنا، سيبقى هذا الامر مربكا لي كأم تحتضن صغارا، فأنا أصبحت أخاف أن يتكرر العجز في بيتي مرة أخرى".

اسم على مسمى، "ملك" هابط من السماء،قُصت اجنحته بالخطأ، لكن فؤاده حكاية نقاء و عزم نادرين، حين يكون الابتلاء في الجسد والمال والسند، و حمد الله لفظ لا يغيب عن لسانها، هنا تجتمع الارادة و الايمان بالقضاء والقدر، و التمسك حتى آخر رمق من أمل، قصص البلدة القديمة لا تنتهي، فتهميش البلديات فيها واضح، حكايات تتكرر و مواقف لا تنتهي نتيجة الأنانية القابعة فينا، خلل طبي، و خلل معماري، وخلل في توزيع الموارد، أسباب كافية لتحويل حياة اسرة تحب الحياة الى جحيم لا ينطفئ.

المصدر:جسور الخير

mildin og amning mildin creme mildin virker ikke
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017