تقرير:نداء فقها
في حضن والدتها الدافئ تجلس حلا بنظرة شوق تلهم مشاعرك ، يذهلك كلامها الممزوج بألوان الصبر والأمومة، ويملأك بأحاسيس نقية تجعلك تتعايش مع عالم مختلف، عالم الخيبة والأمل وعالم الخوف من المجهول.
بعيون محملة بالدموع تبدأ والدة الطفلة منى محمد (39) عاماً، والتي تنحدر من مدينة طولكرم حديثها "حلا خضعت للمكوث بالسرير الطبي مدة 25 يوماً تعاطت على أثرها المضاد الحيوي، إضافة لقيام الأطباء بوضع لاصق حول عينها لمدة ثلاث أيام على غرار تلك الحادثة التي وقعت منذ 6 سنوات تعرضت حينها حلا للسقوط من علو مرتفع ظهر على خلفيتها أعراض مختلفة، فتارة ترتفع درجة الحرارة بشكل جنوني لتصل ل 42درجة مئوية وتارة أخرى يظهر تورم في أسفل الجمجمة".
رحلة شاقة
بمرور عدة أسابيع لجأت الأسرة لمستشفى ثابت ثابت الحكومي، فَأمر الطبيب الأهل بعمل صورة طبقية في مستشفى الزكاة لمعرفة السبب وراء ارتفاع درجة الحرارة المفاجئ، فكانت صدمتهم الكبرى بعدما صدرت النتائج.
قال الطبيب يومها بأن الطفلة فقدت البصر مما يعني أن حلا منذ اليوم أصبحت رهينة الظلام الدامس.
وتضيف منى محمد "حاولت أن لا أصدق ذالك الخبر وكأنه شوكة انغرست في قلبي يومها، تتلقى العلاج وبعض المسكنات التي تتناولها بأوقات محددة، وفي حالة التأخر عن الدواء يصيبها تشنج شديد لا يستطيع أحد السيطرة عليه بسهولة ".
تستكمل أم أحمد وهي تبتلع غصتها " التأخر عن الدواء يحول حلا إلى طفلة عنيفة تؤذي أختها وتؤذي نفسها من خلال وقوعها على الأرض ونزول الدم من فمها وفي أحيان أخرى يحدث تورم لرأسها" .
تتابع أم حلا كلماتها بدموع تأبى النزول وملامح شاحبة "أصبَحت مشلولة نصفياً، جسدها بدأ ينمو ويكبر و يزداد غضبها و عدم فهمها لوضعها ينمو معها، لا تستطيع أن تتواصل مع الآخرين بأي وسيلة نتيجة لذلك كبرت حلا كطفلة متوحشة خارجة عن السيطرة, عديمة التهذيب و عديمة القدرة على التفاهم مع أحد".
البحث عن العلاج
يكمل زيد سليم والد الطفلة( 42 عاماً) قائلاً "بعد مرور أسبوع طلب الطبيب عمل صورة رنين مغناطيسي ليتأكد بشكل دقيق من حالة الطفلة، فذهب لجمعية الأصدقاء في نابلس، حيث أشار الطبيب طالب دعباس بأن النتائج صحيحة وأن الطفلة لا ترى بسبب تلقيها لضربة موجعة في الرأس، مؤكداً على ضعف فرص الشفاء واستنزافها".
وأضاف أبو حلا " كل الأطباء في الداخل والخارج نصحوني بأن لا أتراجع وان يكون عندي أمل وأيمان بقدر الله".
أبو حلا وزوجته لم يخضعا لليأس فقد واصلا علاج ابنتهم ولم يتوقفوا أبدا، فمن طولكرم لنابلس مروراً برام الله وقوفاً بالقدس حيث ذهبا لمستشفى سان جون، لكن الوضع لم يتحسن بل استنزف الأمل بتحويل الطفلة لدكتور أعصاب في رام الله د.محمد سحويل.
يتابع أبو حلا كلامه والدموع متجمدة في عينيه "بعد فترة من الهدوء قررت السفر إلى الأردن باحثاً عن بصيص أمل، لكن نتائجهم الطبية أثبتت وجود خلل في شرايين المخ وأعراضه تتفاقم تدريجياٍ وأن فقدان البصر هو بداية الطريق ،حلا أصبحت معاقة أمام أعيننا ولا باليد حيلة".
حلا المشاكسة
" أصبح عمر حلا 7 سنين وهي على هذه الحالة، تعلقت في كثير حتى لما تزوجت بصعوبة لعرفت تتعود على أمي" بهذا ابتدأت أخت الطفلة سجى زيد حديثها.
تضيف سجى "حلا ليست كالأطفال الذين يلعبون ويلهون فقد تبقى جالسه ونائمة وعند جوعها تهز رأسها لحاجتها لتناول الطعام وفي أحيان أخرى تكون بحاجة للماء.وتصرح "بدنا نطلع مشوار لا نأخذها معنا بدنا نروح دكتور لازم نحضر له أسبوع ".
تناوب الأسرة على مراقبة حلا ليلاً نهاراً، فتأتي لياليٍ لا ينامون فيها من شدة بكاء وصراخ ابنتهم المزعج والمؤلم في الوقت ذاته من دون أن يعرفوا ما أصابها وما الذي يؤلمها وما الذي يرضها !.
زاوية مختلفة
يتحدث الدكتور الحاصل على درجة الدكتوراة بأمراض وقسطرة القلب، إضافة للدبلوم الذهبي للاختراعات العلمية عدنان محفوظ "تلقيت اتصال وقتها وكان من والد الطفلة كان على عجلة من أمره اكتفى بذكر عبارة "أحضر فورا ابنتي في حالة خطيرة".
يقول الدكتور عدنان محفوظ "ذهبت وعاينت الطفلة في البداية كانت تعاني من حرارة مرتفعة مع غيبوبة وانحراف في الأعين، ذكرت الأم وقتها بأن ابنتها وقعت من علوٍ مما أدى لظهور شبه لحمية في أسفل الجمجمة بجانب الأذن وتم علاجها بكريمات من قبلهم وقالوا أنها تعافت، أعطيت الطفلة إبرة خافضة للحرارة وخلال ساعة عاد الأمر لطبيعته" .
يتابع محفوظ "في غضون أيام عاودت أم الطفلة الاتصال لنفس المشكلة لكني طلبت منهم إحضارها للمستشفى لعمل الفحوصات الطيبة فما حصل للطفلة نتيجة لضربة الموجعة التي تفاقمت مؤخراً".
يؤكد محفوظ على مزاولته في عمل فحوصات روتينية للطفلة تجنباً لحدوث مضاعفات، حيث نصح الأهل في حال ارتفاع الحرارة أن يقوموا بوضع كمادات من الماء البارد على الرأس وإرسالها إلى المستشفى دون تأخير.
السنين تمضي ودماغ حلا يتسارع بالاضمحلال، فمنذ ذلك السن الصغير أضحى عالم الطفلة مقصورا على فراغ و فضاء من الظلام و الصمت الرهيب، حال هذه الطفلة قد يختلف عن حالة بقيت الأطفال، لكن نحن نعيش في عالم الطب والتكنولوجيا هل ستلقى الطفلة العلاج المناسب أم تسوء حالتها أضعاف هذا ما تنتظره عائلة حلا في الأيام القادمة.
