الرئيسية / ثقافة وأدب
"مقهى مريم".. قهوة تجمع المغتربين في تركيا
تاريخ النشر: السبت 22/01/2022 14:29
"مقهى مريم".. قهوة تجمع المغتربين في تركيا
"مقهى مريم".. قهوة تجمع المغتربين في تركيا

إسطنبول - إيمان شبير - وكالة سند للأنباء
في مقهى مريم، شعور مختلف يأخذ المغترب إلى بيته حيث وطنه المسلوب، تأخذك جدران المقهى إلى دفء الصور المُعلّقة في كل زاوية، ولِكُلِّ صورةٍ حكاية.

ألوانٌ هادئة ممزوجة باللون البُني الدافئ، وثوبٌ فلسطينيّ يُزيّن المكان، ورائحةُ القهوة التي تقود الزائرين إلى موجاتِ الحنين التي تقهر بِساط البعد للمغتربين، والأغنيات الفلسطينية التي يتجمع حولها ضيوف "المقهى" مُرددين بشوق "والله يامسافر شعلانه هالغيرة.. فلسطين بلادي حلوة ياماشاء الله.. ميل ع صفد حوِّل ع طبريا".

بينما اللوحات الفنية الفلسطينية على طول الحائط تجذبك إلى إرث الوطن الذي لم تخنه الذاكرة، كل ذلك يجعلك تغفو بين أحضان مقهى "مريم" برفقة القهوة وحديثِ مَن نُحب، فالقهوةُ حُجة للقاءٍ تحولُ بيننا وبينه المسافات.

"مقهى مريم"، بذرةُ الحب الأولى، تعودُ بدايته لحكايةٍ جمعت الإعلامية الفلسطينية إسراء المدلل بزوجها على فنجانِ قهوة، غير أن "حبَّات البُن" هي ارتباط وثيق مع طفلةِ قلبها مريم (12 رحيقًا) من الحب والدفء.

 

من إسطنبول مكان إقامة "المدلل" إلى غزة، نقل هاتف "وكالة سند للأنباء"، ملامح الهوية الفلسطينية التي جسدها "مقهى مريم" في حوارٍ دافئ برفقةِ صديقة المغتربين "القهوة".

"القهوة.. هُدنة"

بالرجوع إلىِ فكرة المقهى، تسرد "المدلل"، "المقهى بدأ من حكاية جمعتني أنا وزوجي على فنجان قهوة، ومن حينها بدأ اهتمامنا بشكلٍ خاص في القهوة، لذلك نحن نقدّس الوقت الذي نجلس فيه سويًّا ونتحدث فيه؛ لأننا في الغربة نعمل طوال الوقت".

وتعتبر المدلل أن فنجان القهوة هو وقت هدنة لهما في الغربة، ووقت تحمل أنفسهم بِثقل مُتمنية أن يكون "الثقل" رحيمًا كما القهوة التي ترحم مشاعرهم وأوقاتهم والفراق.

وتصف "القهوة" أنها روح الجلسات، والرفيقة والسند والسهر والكتابة، موضحة أنها تشرب القهوة على مدار الساعة.

وتابعت بنبرةٍ من الحنين: " للقهوة ارتباط مع ابنتي مريم، وارتباط جيد مع الأحداث؛ لأنها كانت رفيقة الأوقات الصعبة، لذلك ابنتي تعلم أن القهوة هي أكثر المشروبات المفضلة إلى قلبي".

وتُشير "المدلل" إلى أن القهوة مشروبها الروحاني الذي كان يُخفف عنها الكثير في غزة.

"حنين المغترب"

وفي سؤالنا "يُقال إن المغترب يعيش بحنين مستمر لأرضه، حدثينا عن مشاعرك تجاه غزة والأرض؟" تُجيبنا باتزان أمام لوعة الحنين: " بالطبع غزة جزء محفور فينا؛ لأنها تُعبّر عن كل ما هو متناقض، وكل ما هو غير المنطق المفروض على الفلسطيني في غزة، لذلك حينما نخرج إلى الخارج نود -أيضًا- أن نتمرد على الخارج بسؤالٍ "أين أنتم من هذه المعاناة؟" مُردفةً أن طرق العيش في الحياة للمغترب ليست أن يكون منتقمًا؛ بل عليه أن يعذر العالم لعدم تضامنه؛ لأنه لا يعلم.

وتُكمل "المدلل" بدفِ الكلمات المتناثرة: "إن الهوية الفلسطينية نعبّر من خلالها عن فرصنا في الحياة وآمالنا ورسائلنا، لافتةً إلى أن "مقهى مريم" تدور فيه الكثير من الأحاديث التي تُعرّف فيها على الوجه الآخر عن غزة".

وتُوضح أن شكل التعريف عن الهوية وغزة في الخارج، هو شكل النجاحات في الغربة، وتُضيف بنبرةٍ من الوجع: "نحنُ -أيضًا- نستحق فرصة جيدة في الحياة، لا يمكن أن نبقى محاصرين أنفسنا بالأحداث التي فُرضت علينا في غزة؛ لأنها أحداث غير طبيعية للعقل البشري، وعقولنا تحمّلت من الضغوطات الكثير، والآن نحمل ثمنها".

"ما فلسفة إسراء في تفاصيل ديكور هذا المقهى وجميع تفاصيله التي تعكس الهوية الفلسطينية ورائحة التراث؟"، تُجيبنا بشخصيتها المُتزنة: "المقهى هو لتجسيد هوية فلسطينية وامتداد لإرث فيه كل التفاصيل منذ الفن الكنعاني الذي جسد ارتباطنا في الأرض والتراب والسماء والخيرات وصولًا إلى ما نحن عليه من مقاومة وهذا التراث هو جزء من مقاومتنا".

أما عن مريم، فكانت المفردات أكبر من أن تنقلها لنا في حديثٍ هاتفي، تقول "المدلل": "إن وجه مريم وتقاسيمه له علاقة بالصمود والتحدي والمقاومة، فبالتالي جسّد المقهى كل تلك التفاصيل وأكثر".

وتُضيف بنبرةِ الدفء التي نحتسيها من القهوة: "المقهى ارتبط بالرائحة والبُن الذي يأتينا من بلاد "أمريكا اللاتينية وأسيا"، فهم الفلاحون الذين -أيضًا- يجسدون نفس الطبيعة الإنسانية لنا"، مُستطردةً أنها تنحاز لهؤلاء الذين يزرعون ويمدون أيديهم إلى الطبيعة ومن ثم يمدوها إلى أهل المدن، واصفةً قلوبهن أنهم " رحماء الأرض" مُدركةً قيمة البُن الذي يأتي من تلك البلاد.

"وماذا عن الغربة"؟ تُسهب "المدلل"، "ليست رفاهية، لا شيء بدون مقابل، هي حقوق وليست رفاهية، ربما نحن الذين لم نتعود على تلك الرفاهية، وهذا شيء طبيعي تحت ظروف الاحتلال والحرمان والظلم والقهر".

وتطمح أن يكون "مقهى مريم" في كل البلدان العربية، جامعًا الوجوه الفنية والسياسية والإنسانية بـِ "حُرية دون قيود، لافتة أن المغترب الفلسطيني يُريد حريته لا رفاهيته.

"مريم تجمعنا"

 

"كيف استطعتِ بمقهى مريم أن تجمعي المغتربين الفلسطينيين فيه؟"، عن سؤالنا هذا تُجيب: "أنا لم أفعل شيء، المقهى هو الذي فعل وجمَّعهم، وهم حينما أتوني من "القدس والداخل الفلسطيني المحتل، والضفة وغزة" قالوا إن مريم جمعتنا.. وجمَّعت الهوية العربية ليست فقط الفلسطينية؛ لأنهم مرتبطون ومتعلقون بنفس الطقوس والعادات والتقاليد.

وعن أجواء المقهى الدافئة، تتحدث "المدلل"، المكان يُحيط بصوت سناء موسى التي تُغني للذاكرة الفلسطينية، وصوت الفن الفلسطيني " الفلكلور"، كل ذلك لا يمكن أن يكون منفصلا عن "مريم" التي تحمل الأسماء والأديان التوحيدية الثلاثة والثقافات الممتدة إلى جذورنا الكنعانية والعربية".

وتُشير إلى أن المقهى يحمل "بُن" نقيا وصافيا وممتلئا بِـ "حَب الهيل" الذي يعود لأهل النقب في فلسطين على مر التاريخ.

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017